أهلا بكم فى موقع الإبداع
الإثنين“ 30 ديسمبر 2024 - 05:32 م

مداخل نقدية معاصرة إلى دراسة النص الأدبي([1])

السبت“ 2 مايو 2015 - 11:14 ص

مداخل نقدية معاصرة إلى دراسة النص الأدبي([1])

مداخل نقدية معاصرة إلى دراسة النص الأدبي([1])

( أ )

 تزدحم المداخل النقدية التي تتناول النص الأدبي على الساحة المعاصرة، كما تزدحم قطع «الشطرنج» على رقعته، فهي تتوازى أحيانا، وتتقاطع أحيانا، وتتعاون أحياناً،وتتعارك أحيانا. وهي دائما تدعى لنفسها أنها تهدف إلى تنوير «النص الأدبي» وتعلن اهتداءها –مع غيرها أو دون غيرها- إلى فهم أفضل لطبيعة هذا النص، ولفقه الأعمال الأدبية.

وبعض هذه المداخل قديم محدث نفض عنه العصر تراب الزمن، وقدمه إلى  الساحة النقدية باعتباره صوتا يوفر إجابة قوية عن كثير من الأسئلة المعلقة التي لم تستطع المداخل النقدية المستحدثة الإجابة عنها، وأشهر مثال لذلك «المحاكاة الجديدة»، التي هي الصور المحدثة للمحاكاة الأرسطية القديمة. وبعض هذه المداخل تاريخي النشأة، ولكنه ممتد في الحاضر، فهو يجد صداه في نفوس كثيرة، ويلوح دائما في الأفق، ماثلاً للعيان، محتلاً مساحة كبيرة في الساحة النقدية، وأبرز مثال لذلك نظرية «الأدب الهادف» التي اعتورتها عوامل الضعف والقوة والشد والجذب =، من لدن «هوراس» و«سدني» و«بن جنسون»، حتى وصلت إلى النقاد الأخلاقيين الاجتماعيين أمثال «ماثيو آرنولد» والنقاد «الأيديولوجيين» الغلاة، الذين هم الأتباع المباشرون لـ«ماركس» و«إنجلز» و«ولينين» و«تروتسكي» ونقاد «الواقعية الاشتراكية». وبعض هذه المداخل من نتاج القرن العشرين، وذلك القرن الذي شهد نهضة حضارية و«تكنولوجية» لم يشهدها قرن من قبل، استحدث مداخل نقدية إلى دراسة النص الأدبي، تعمل بإمكانات في التحليل،وسبر أغوار المعاني والدلالات، لم تتح لاتجاه من قبل، في أي عصر من عصور الماضي. في قرننا العشرين احتلت هذه المداخل دائرة الضوء، وأزاحت إلى هامش الاهتمام مداخل كانت من قبل سائدة، وأبرز مثال لذلك مدخل «التحليل النفسي» الذي أرساه «فرويد» في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، وترك القرن العشرين مبهوراً به، وتوالى تلاميذ «فرويد» المباشرون ينشرون مبادئه النفسية، ويحاولون تطبيقها على النصوص الأدبية، ثم جرت تعديلات وتحولات في نقل مراكز الاهتمام  لا في أصل النظرية- على يد تلاميذ آخرين لـ«فرويد» أهمهم «يونج»- ثم امتد «التيار السيكولوجي» وتعرج حتى اتصل بمداخل أخرى، كما سيتضح في الصفحات التالية.

      ومن المداخل النقدية الحديثة ما اتجه إلى النص الأدبي مباشرة، مؤكدا على استقلاله، و«موضوعيته». هنا قاد رواد «الحداثة» أمثال «رتشاردز» «وأليوت» و«إمبسون» و«ليفيز»-الاتجاه النصي، وأثروا في اتجاه «النقد الجديد» الذي أنتج نقاده هرماً من التحليلات النصية مثلها «بروكس» و«بن وارين» و«ألان تيت» و«بلاكمور». وعلى أنقاض «الحداثة» و «النقد الجديد» نشأت مداخل نقدية أخرى، اعتمدت على مناهج علوم إنسانية، خارج نطاق النقد الأدبي، ودخلت مجال النقد في منافسة قوية للاتجاهات النقدية الخالصة، تلك هي المداخل التي تعتمد على علم الاجتماع اللغوي- الذي تمثله آراء «سوسير»، و«ستراوس»، و«تودروف»، و«إكو»، وهي «المدخل البنيوي» إلى فهم النص الأدبي، ومدخل «ما بعد البنيوية» الذي تعبر عنه آراء «رونالد بارت»، وتعبر عنه على نحو أوضح آراء «جاك ديريدا».

        وثمة اتجاه واضح في مجال الدرس النقدي الآن هو الاهتمام بنظرية الأدب، ومحاولة الإجابة عن أسئلة أولية طالما سئلت في الماضي، مثل: ما الأدب؟ وما النقد؟ وما وظيفة الأدب؟ وما وظيفة النقد؟ وما حدود النقد؟ وهذا السؤال الأخير يستثير حفيظة البعض، فيجعله يدعو إلى «نقد بلا حدود»([2]). ولا تكتفي «نظرية الأدب» بالوقوف عند هذا الحد، ولكنها تتجاوزه إلى البحث في أمور نظرية واسعة أخرى «كالمدارس الأدبية» وعلاقة النص بالمؤلف، و«الأنواع الأدبية»، وما إلى ذلك.

وكان من نتائج التركيز على دراسة النص الأدبي باعتباره لغة، أن برزت اتجاهات مصقولة في التحليل الأسلوبي البلاغي، صنعت أساساً صالحاً لما يسمى «فلسفة الأسلوب» و«فلسفة البلاغة» في النقد الحديث. وتعنى هذه المداخل النقدية بصلب البنية الأدبية من ناحية تحليلية محضة، فتعكف على عناصر بعينها في نسيج العمل الأدبي مثل «الصورة»، و«وجهة النظر» و«التوتر» و«التباين» و«المجاز» و«مماثلة الواقع»، و«المعجم» و«السياق» و«الترابط العضوي» و«السخرية» و«بناء الجملة» و«موسيقى اللغة» و«التوازن»- وما إلى ذلك.

  كذلك كان من نتائج تطور الفكر السياسي والاجتماعي، نشأة «الأيديولوجيات» المختلفة أن اتجهت مداخل برمتها إلى دعم «الفكر الاشتراكي» و«النقد الماركسي» و«الأدب النسائي» و«النقد النسائي»([3])ولم تتخلف الحركة النقدية المعاصرة عن الدعوة إلى وصل النقد بالتطور السريع في علم الاتصالات، وما أحدثه من أثر هائل على الحياة،وتبذل محاولات كبيرة الآن لتحديد طرق استخدام «الكمبيوتر» في تصنيف المادة الأدبية، وفي تحليل الأدب، بل وفي «صناعة الأدب». وتأخذ علوم المستقبل نصيباً ملحوظاً من اهتمام الدارسين في المجال النقدي، ويشغلهم دور النقد الأدبي المحتمل في سياق المؤشرات التي ستكون عليها علوم المستقبل. لقد كان السؤال يدور في الماضي حول مكانة العمل الأدبي بين فنون الإبداع المختلفة- كالرسم والنحت والتصوير- ودار في فترة تالية عن مكانة الأدب بين تطور الآليات  المستحدثة في فنون المسرح والسينما، وهو يدور الآن عن مكانة  الأدب بين النظم الاقتصادية المتطورة ونظام العالم الجديد، ووسائل الاتصال المتقدمة، وعلوم الفضاء([4]).

أردت أن أقول بكل هذا إن تقديم «مداخل نقدية معاصرة إلى دراسة النص الأدبي» للقارئ العربي ليس مهمة سهلة، وذلك لما هو واضح من تداخل تلك المداخل وتشعبها، ولما هو واضح كذلك من صعوبة رسم الحد الفاصل بين كثير من المصطلحات التي تستخدمها تلك المداخل، وفي مقدمتها مصطلحا «معاصرة» و«حديث». وبوسع الإنسان أن يحشد أمام قارئه كل هذه المداخل حشداً، وبوسعه أن يكدس أمامه أفكاراً وأعمالا لا نهاية لها، ولكن ذلك لا يمكن أن يكون مفيداً؛ فقصارى ما يحققه –في مثل هذا الحيز- أنماط قد يكون ضررها أكبر من نفعها؛ ذلك لأنها ستؤول هي نفسها إلى نمط مدرسي، يشكل عائقاً من العوائق عوضاً من أن يتيح فرصة للتأمل والنظر المفيد، والبديل الصحيح لذلك أن يعمل المرء قدرته على الاختيار المفيد من بين المتاح الكثير، فيبسط أموراً ويختزل أموراً ويضع أمورا في «صلب» الاهتمام وأمورا في «هامش» الاهتمام، ويلقي الضوء باهراً على أشياء، ويظلل أشياء أخرى، ثم يثق بقارئه في جميع الأحوال. ولن أتردد في أن يكون اختياري محكوماً بما أراه مفيداً ويحكم هذا عاملان، الأول:مدى استقرار هذا «المدخل» أو ذاك، وثبوت صلاحيته وفعاليته، والثاني:مدى قربه من طبيعة الأدب العربي، ومدى الاستجابة إليه في النقد العربي المعاصر. ولن أستجيب للإغراء المتمثل في أن هذا المنهج أو ذاك هو «آخر صيحة» في عالم النقد، أو أميل بالكلام إلى جانب النقد «الصحفي اليومي».    

 

(  ب  )

هل الطبيعة هي «الأصل» والفن «محاكاة» لها ، أو الفن هو «الأصل» والطبيعة «محاكاة» له؟ أما «أرسطو» فقال بالفكرة الأولى، وكان ذلك في القرن الرابع قبل الميلاد، وأما «وسلر» و«وايلد» وأصحاب مدرسة «الفن للفن» جميعا فقد قالوا بالفكرة الثانية، وكان ذلك في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. وهذه القضية- في أصل الفن- تحتاج إلى قدر من التفصيل، ولا يفيد فيها أن نقول إن لكل وجهة نظر وننهي المسألة عند هذا الحد.

ينتمي أرسطو إلى تاريخ معرق في «الميثولوجيا» و«السورة»، وينتمي أصحاب الفكرة الثانية إلى عصر «علمي نقدي» كانت الطبيعة لدى «أرسطو» هي الأم، التي هي مصدر الأمن والخوف والرضا والغضب، وكل الأمور المتقابلة التي تولد المفارقة، التي هي بذرة الإدراك الفني ، وكان الفن هو الذي يصور تلك الطبيعة بكل جوانبها:معترك الحياة، كما هو الحال في «محاكاة» الحروب في ملحمتي «الإلياذة»، و«الأوديسة» لـ«هوميروس» وما وراء الحياة من شؤون العالم الآخر كما هي الحال في أعمال «إسخيلوس» و«يوريبيديس»، والتعالي على الحياة المادية بإدراك معنى الرمز فيها، كما هي الحال في ((المحاكاة)) الكائنة في بعض أعمال «أرستوفانيس»، والحياة الشعورية الداخلية عند الإنسان، كما هي الحال في تصوير عواطف الرغبة والطبع والضعف عند «أوديب» «سوفوكليس»، وكان واضحا في معنى «المحاكاة» الأرسطية أنها لا تتعلق بالجانب المادي المحسوس من الطبيعة:الأشجار والجبال والمياه والوديان، قدر تعلقها بالجانب الإنساني، المتمثل في سلوك الناس وأفعالهم،ولذلك جعل «أرسطو» «الفعل الإنساني» قلب العمل الفني، وجعل المنظر الطبيعي إطاراً خارجياً، يتحرك فيه الناس الذين يقومون بهذا الفعل([5]). فإذا انتقلنا إلى الفكرة الثانية وجدنا الهجوم على الطبيعة كان مركزاً على جانبها المادي، أو على «المشاهد الطبيعية» لا «الأفعال الطبيعية». وهذا واضح من النص التالي،الذي أسوقه من كلام «أوسكار وايلد» وبخاصة في المثال الذي يستشهد به في نهاية النص:

«إن الطبيعة ليست هي الأم العظيمة التي حملتنا في بطنها. إنها -على العكس- من صنعنا، إن الإنسان لا يرى «الشيء» إلا إذا رأى عنصر «الجمال» فيه، وعندئذ فحسب يوجد هذا الشيء بالنسبة له، فالناس مثلاً يرون ضباب لندن،لا لأنه موجود في واقع الحال، ولكن لأن الفن (الشعر والرسم) هو الذي صنع ذلك الوجود الجمالي الساخر للضباب في لندن، ولعل الضباب كان هناك منذ الأزل، ولعل أحداً لم يره، ولم يعلم عنه شيئاً على الإطلاق حتى جاء الفن فاخترعه اختراعاً([6]).

   ويبدو لي- بعد النظر في تاريخ فكرة «المحاكاة» الأرسطية-أن «وسلر» و «وايلد» وأتباعهما لم يكونوا يهاجمون الفكرة الأرسطية الأصلية، وإنما كانوا يهاجمونها في صورتها التي آلت إليها على عهدهم في أواخر القرن التاسع عشر. لقد جردت الفكرة الأرسطية في مجرى التاريخ من لبها، وركز الأتباع على جوانب في الموضوع كانت هامشية على عهده، فعاملوها على أنها لب الموضوع (وهي الطبيعة الخارجية)، وأهملوا الجوانب الجوهرية المتصلة بالسلوك البشري،أو «الفعل البشري» فجعلوها هامشاً، والشيء الذي ينبغي أن يلفت إليه النظر أن فكرة أن الفن «محاكاة» للطبيعة بقيت تحكم مفهوم الفن، كائنا ما كان معنى هذه الطبيعة([7]).

  ولا تزال فكرة «المحاكاة» تلقى اهتماما شديدا في النقد المعاصر، ومن الطبيعي أن تعرض في ثوب معدل، ولكنها أحيانا تعرض في ثوبها الأصلي «الأرسطي»، وقد جعلها الناقد الواقعي الماركسي «أريخ أورباخ» عنواناً لكتاب شهير من كتبه، وهو كتاب له أثر كبير في المناقشات الجارية حول معنى تمثيل الأدب للواقع. فهي أساس من أسس شرح علاقة الأدب بالواقع، وشرح معنى الصدق الفني،ومعنى التصوير الأدبي، وما إلى ذلك من المفاهيم ذات الأهمية البالغة في النقد الأدبي. يقول (جلبرت موري) في البرهنة على مشروعية تفسير مسرحيات «شيكسبير» (أو بعضها على الأقل) على أساس من فكرة «المحاكاة» ما يلي:

            " عندما كتب «شيكسبير» «هاملت» صنع شيئاً لم يكن له وجود من قبل. وقد أثبتت الأيام أن هذا الشيء الذي صنعه «شيكسبير» بكتابة «هاملت» كان مهما للغاية. لكن ما هو هذا الشيء الذي صنعه شيكسبير؟ هل هو شخصيات حقيقية؟ هل هو جرائم حقيقية؟ هل هو آلام حقيقية؟ وهل يمكن أيضاً أن يقال إن قتل النفس الوارد في المسرحية عملية ((انتحار)) حقيقية؟ الجواب بالنفي بالطبع، ولكن الذي صنعه «شيكسبير» مسرحية حقيقية، أي أشعار حقيقية إنه لم يصنع ملوك الدنمارك والأشباح والجرائم ولكنه ((حاكاها)) أو ((مثلها)) فحسب. وجريمة القتل التي صنعها لم تكن جريمة قتل (( حقيقية)) ولكنها كانت ((محاكاة)) قتل «لمحاكاة ملك»([8]).

          على هذا النحو يكون مقبولا ومقنعاً أن نفسر العمل الأدبي المعاصر على أساس من نظرية «المحاكاة»، فالمسرحية «محاكاة» وتمثيل لأفعال الناس وشخوصها التي تتحرك فيها وتتكلم على خشبة المسرح «محاكاة»، فالشاعر مثلاً يعيش تجربته، ولكنه حين يكتبها شعراً لا ينقلها كما هي (إذ كيف يكون النقل الحرفي ممكناً؟ وإذا أمكن فكيف يكون أدباً؟) وإنما يمثلها أو يحاكيها فتصبح التجربة الفنية محاكاة للتجربة الواقعية. ولما كان الشاعر يعيد على نحو مقصود التعبير عن التجربة في القالب الأدبي، اعتبرت هذه التجربة تجربة جديدة. على سيل المثال إذا التحم شخص مع ذئب في معركة بالأمس، وجلس اليوم يكتب قصيدة عن هذه المعركة، فهو يعود فنيا إلى هذه المعركة، أو بعبارة أخرى، يعيد صياغة تلك المعركة، فتصبح معركة فنية، ولا يمكن أن نقول إن «المعركة»- الحادثة الواقعية» و«المعركة – القصيدة الشعرية» شيء واحد. إنها  تشبهها ولكن ليست هي هي، وقصارى ما يمكن قوله إن الثانية((محاكاة)) للأولى. وذلك أنه إذا كان هذا الشخص نفسه يعد لشجار آخر مع هذا الذئب غدًا، وجلس اليوم يكتب قصيدة عن هذا الشجار المتخيل، فمن الواضح أن هذه القصيدة «محاكاة» شجار؛ إذ كيف يكون شيئاً حقيقياً ما لم يقع بعد»([9]).

 

( جـ )

  البحث في علاقة العمل الأدبي بالعالم الداخلي للمؤلف أمر قديم؛ فقد تكلم ((أفلاطون)) عن «الإلهام الشعري» في محاورة «الإيون» وقدَّ «كوليردج» نظرية شبه كاملة في معنى الخيال الشعري. والواقع أن الحديث عن العالم الداخلي للإنسان، وصلته بالإبداع الأدبي، لم ينقطع في أي وقت من الأوقات. ولكن الذي أعطى هذا العالم معناه الكامل وحدد معالمه على نحو منهجي منظم وحرر المصطلحات المتعلقة به وقدم معالم طبقات النفس وشرح طريقة عمل الدوافع الداخلية، وأحدث الثورة الحديثة في صلة الإبداع بالنفس الإنسانية هو «فرويد» – ثم من جاء على طريقه دون شك. وغني عن القول إن ((فرويد)) لم يكن ناقداً أدبياً ولا صاحب نهج بذاته في نقد الأدب، ولكن أفكاره المتعلقة بعالم النفس وطريقة الإبداع وتفسير الأعمال الأدبية على أساس من فهم عالم النفس، هي التي جعلت من الحديث عن «المدخل النفسي» (السيكولوجي) في النقد الأدبي الحديث أمراً ممكناً، كما جعلت منه نهجاً له حدوده وطرق البرهنة عليه وأدواته المعروفة في التحليل والتعليل.

   حين كان القرن التاسع عشر يلفظ أنفاسه، نشر «فرويد» كتابه الشهير «تفسير الأحلام» (1900م). وقد احتوى الكتاب على نظريته «السيكولوجية» التي يكمن إجمالها في عناصر ثلاثة متضافرة:

إن ثمة منطقة في النفس الإنسانية تقع وراء المنطقة الواعية (التي هي الذاكرة والأحاسيس) يمكن أن نسميها منطقة «اللاوعي». ونحن لا نعيها ولكنها موجودة وهي منطقة مؤثرة في منطقة «الوعي» على نحو دائم وحاسم.

إن عالم النفس محكوم بمجموعة من العناصر الفعالة النشيطة التي يمكن أن نسميها «العقد والدوافع».

إن أقوى هذه الدوافع هو الدافع الجنسي وهو يعمل بصفة نشطة منذ لحظة الميلاد وبخاصة في صيغته التي يسميها «فرويد» عقدة «أوديب».

          كان موقف «فرويد» من عالم الأدب موقفاً واضحاً منذ البداية، فقد قال إن الذي يخرج عالم «اللاوعي» إلى حير الوجود في الأدب ليس عالم النفس، وإنما هو الأديب ذاته، وكل ما يفعله عالم النفس أنه يصف عمل الأديب. لكن «فرويد» رأى في عالم الإبداع الأدبي خير عون له على الوصول إلى نظريته الخاصة بعالم «اللاعوي» والتماس الأدلة على وجودها، والدفاع عنها. وقد استعان على كل ذلك بتحليل أمثلة من أعمال «شيكسبير» وبخاصة تلك التي عنى فيها الشاعر بارتياد العالم النفسي لشخصياته، كما استعان بما صوره «جوته» من عالم النفس في قصة «فاوست». ولم يقتصر «فرويد» على اتخاذ الأعمال الأدبية وسيلة لشرح محتويات عالم النفس، وتنظيم عناصره وإنما اتخذها كذلك مادة يستعين بها على استخلاص النتائج العلاجية التي توخاها بصفته طبيباً نفسانياً([10]).

في عالم «اللاوعي» - بالمعنى «الفرو يدي»-  تختزن التجارب البعيدة التي يراد لها أن تنسى، وهي يراد لها أن تنسى لأنه لا يمكن التعبير عنها، وهي لا يمكن التعبير عنها؛ لأن المجتمع لا يمكن أن يقبل ذلك. لكن هذه التجارب لا تلبث أن تبحث لها عن قناع تظهر به، فتتخذ الأحلام مجالاً لظهور هذه «الممنوعات المقنعة». في هذه النقطة نرى الصلة بين العالمين النفسي والأدبي؛ فإذا كانت تجارب النفس المكبوتة تسعى إلى الظهور من خلال الأحلام، فإن الخيلة والأوهام لدى الكاتب المبدع تسعى إلى الظهور من خلال القوالب الأدبية. وهكذا يحقق الأديب المبدع إنجازاًُ مذهلاً؟ لأنه يظهر فضله على غيره من «المكبوتين» بقدرته على التعبير عن «كبته» بطريقة مقبولة، بل شائقة يسعى المجتمع إلى معرفتها، وينجذب إليها، ويشجع عليها. والأديب المبدع يشبه الطفل-عند((فرويد))- في أنه يخلق لنفسه عالماً من الوهم ويعامله بغاية الجدية والاهتمام. ويودعه كل ما لديه من عاطفة، ويفصله عن العالم الواقعي المحسوس وكذلك الطفل في لعبه([11]).

  ساعد على  إحكام الصلة بين النظرية(السيكولوجية) والأدب أن كثيرا من كتاب «الحداثة» جعلوا أسلوبهم الأساسي في التصوير ارتياد العالم النفسي لشخصياتهم، وكانوا يفعلون ذلك لأول مرة، بعد أن كان ارتياد هذا  العالم من قبل جزئياً، أو في لمحات، وأشهر هؤلاء «جويس» و«مان» و«بروست» و«لورنس». وليس من المهم أن يكون هؤلاء قد اطلعوا على أعمال «فرويد» أو تأثروا به على نحو مباشر، ولكن المهم أنهم سعوا إلى تصوير الحقيقة عن طريق عرض الشخصيات من الداخل، واختزال العالم الخارجي إلى أقصى درجة ممكنة، وتسليط الضوء على ذلك العالم غير المرئي، وجعله مناط الوعي بالعالم الخارجي وتفسيره. وقد تم المزج بين «الفرويدية» و«الحداثة» في الأدب عن هذا الطريق فكونا معًا أساسا متينا للثورة في العالم التقليدي في مفهوم تصوير الحقيقة، الذي كان سائدًا في القرن التاسع عشر. ونظرة مقارنة إلى أعمال «بلزاك»، و«أبسن» و«موباسان» في جانب، ورواية البحث عن الزمن الضائع «لبروست» أو«يولسيس» «لجميس جويس»، أو«أبناء وعشاق» «للورنس» في جانب آخر، توضح ذلك كل التوضيح.

         بوفاة «فرويد» سنة 1939 طغى الجانب «الأدبي» من نظريته على الجانب ((العلاجي)) وأصبح إلى تحليل الشخصيات الأدبية-من الوجهة النفسية- نهجا معتمدًا في النقد الأدبي، وقد اتسع مجال المادة الإبداعية المتناولة في هذا المجال فشمل النثر بعد أن كان مقصوراً على الشعر، والملاحظ أنه –في مجرى الزمن- كان ثمة تعديلات تطرأ على المنهج «الفرو يدي» في تحليل الأدب، وكانت هذه التعديلات غالباً ما تميل إلى «تطعيم» الجانب «السيكولوجي» بعنصر أدبي تحليلي. هكذا تناول الناقد الأدبي السيكولوجي بروك أعمال «مارك توين» من خلال عنصري «الإحباط والمرارة» مستخدماً نظرية «فرويد» في التفسير ومطعما إياها بتحليلات أدبية لغوية تثير الإعجاب، وهكذا-أيضا- تقدم ناقدان «سيكولوجيان» -هما «ليونيل تريلنج» وأدموند ولسن- بنظرية «نقدية متماسكة،تجلت بصفة خاصة في كتاب «الجرح والقوس» لأدموند ولسن الذي أبرز عالم «اللاوعي» الإنساني، بصفته المصدر الغني للتحليل الأدبي، ثم اتسع نطاق هذه النظرية، وبخاصة عندما حللت على أساسها أعمال أدبية لها شهرتها كأعمال «جويس» و«توماس مان» و«كافكا».

    بقي المنهج «الفرويدي» متربعاً على عرش التحليل النقدي، ولم يصادف تحدياً أكبر من  التحدي الذي واجهه به «كارل يونج» –وهو معدود من تلاميذ ((فرويد))- فقد نقل محور الاهتمام من الدوافع النفسية المتعلقة بالجنس-كما يراها «فرويد»-إلى دوافع أخرى،سماها ((يونج)) ((اللاوعي الجمعي)) لقد جعل ((يونج)) الدافع الرئيسي جمعياً لا فردياً، وهو رد فعل عام، مبني على موقف نموذجي يعود بجذوره إلى ما قبل التاريخ، وما قبل ذاكرة الإنسان. وهكذا يرتبط التفسير الأدبي بمعنى أسطوري في عقل الجماعة، لا بموقف جنسي فردي في نفس الأديب([12]).

       من أهم المظاهر التي ترتبت على شيوع المنهج «السيكولوجي» في النقد الأدبي التعويل العظيم على شخصية المؤلف، وإعطاؤها أهمية كبيرة في تفسير العمل الأدبي الذي يكتبه وتقدير قيمته. وقد ترتب على ذلك خروج اتجاه نقدي كامل إلى حيز الضوء هو الاتجاه «البيوجرافي». وهو اتجاه يقوم على التسليم بالصلة العضوية (التي لا تنفصم) بين حياة الأديب وأدبه، ووجوب رؤية أحدهما في ضوء الآخر،. وهذا النهج يعنى بأمور في مقدمتها البحث في طريقة عمل ذهن الكاتب، وكيفية اكتمال التجربة الأدبية لديه، وفي عملية الإبداع الأدبي ذاتها، وما تحفل به نفس الأديب من عالم، يعي بعضه ولا يعي بعضه الآخر، ومدى تأثير صفاته المكتسبة والموروثة على أدبه،وتأثير كل ذلك على حياته السلوكية، ثم أثر كل ذلك على إنتاجه الأدبي، فهذا النهج ذو شقين، يتحركان في مرونة بين تحليل نفس الأديب وتحليل أدبه برؤية كل منهما في ضوء الآخر واعتبارهما-كما يقال- وجهين لعملة واحدة([13]).

     كان من المشكلات التي واجهها النقد «السيكولوجي» أنه يجعل مجال اهتمامه الرئيسي منطقة في النفس لا يعيها المؤلف ذاته تلك المنطقة التي لا تعبر عنها اللغة صراحة. ويزيد هذه المشكلة تعقيداً أن الأمر قد يصل إلى الحد الذي ينفي فيه المؤلف التفسيرات التي يقدمها الناقد. على أن هناك مشكلة أخرى هي أن الناقد «السيكولوجي» يصر على تفسير واحد للعمل الأدبي، وهو التفسير المعتمد على تلك الطبقات العميقة في نفس المؤلف، وهو بذلك يختزل صورة العمل الأدبي في بعد واحد من الأبعاد التي يمكن أن تحتملها هذه الصورة، وعلى ذلك فهو يضيق من  دلالة العمل عوضاً عن أن يوسع منها. وعلاوة على ذلك كله، يلاحظ أن «المدخل السيكولوجي» لا يقاوم الإغراء الذي يجعله يذهب في بعض الأحيان بعيداً جداً في تفسير العمل الأدبي. والمثل  الذي يضرب لذلك ما فعله «وأدموند ولسن» في كتاب «الجرح والقوس» وذلك حين لم يجد تفسيراً لتصرفات «أليكترا» و«أنتجونة» أفضل من  القول بأنها تعانيان من انفصام في شخصيتيهما. وأنت إذا حللت الأمر هذا الحل-متصوراً أنك اهتديت إلى التفسير الصحيح-كنت قد بسطت المسالة كلها تبسيطا مخلاً في واقع الحال. وإذا كان كل سلوك لا نهتدي في تفسيره إلى وجه مقنع نذهب فيه إلى القول بأن صاحب هذا السلوك مختل عقلياً، نكون قد ساوينا في الدلالة بين كل التصرفات، ويكون النقد الأدبي قد قصر-نتيجة لذلك-في وظيفته الأساسية، وهي البحث عن معنى العمل الأدبي، ذلك الكيان المعقد الشرود ذو الطبيعة المرنة القابلة لألوان متعددة من الدلالات. وعلى ذلك يكون الإصرار على الاختيار «السيكولوجي» في تحليل العمل الأدبي هو أزمة هذا المنهج برمته([14])

         لم يكن غريباً أن يخضع المدخل «سيكولوجي» لمراجعة جذرية مستمرة منذ أواخر السبعينات، ذلك طلباً لحل مشكلاته المتراكمة. وقد أخذت هذه المراجعة على عاتقها طلب المرونة في الحركة الواضحة من «الشخصية الأدبية»، إلى «اللغة الأدبية»، وكان المفكر الفرنسي «جاك لاكان» أشهر من بدأ هذه المراجعة، وسرعان ما اتسع نطاق هذه الأمر خارج فرنسا.وقد اتخذت هذه المراجعة لنفسها اسم «النفسية-البنيوية» وفيها تربط اللغة بالعمليات النفسية ربطاً عضوياً، فلا يصبح دورها مقصوراً على تمكين الناس من »الكلام»، أو «التفاهم» بل وتمكينهم من «التفكير» كذلك.وهذا يعني التسليم بأنه لا يوجد فكر سابق على وجود اللغة، كما يعني القول بأن منطقة «اللاوعي» عند الإنسان-وفيها كل عالمه النفسي الخفي- إنما تتكون جميعها عن طريق اللغة. هكذا نجح «لاكان» وأعوانه وتابعوه في تحويل قدر كبير من  الاهتمام من النفس إلى اللغة. ومن ثم نجحوا في إيجاد جو ملائم للتعاون بين «المدخل السيكولوجي» ومداخل أخرى معاصرة في نقد الأدب، أبرزها «تفكيكية» ديريدا، وهكذا بدا أن »المدخل السيكولوجي» على استعداد للتخلي عن طابعه التقليدي والعمل ضمن السياق الحضاري العام، الذي يجعل اللغة بجميع جوانبها من المعجم إلى الدلالة إلى البلاغة الحديثة إلى الأسلوبية إلى علم الرموز والعلامات نقطة البدء في تناول النص الأدبي ونقطة الاستمرار في تحليله وأصلاً من خلال ذلك إلى كل ما يحمله النص من مغزى فلسفي أو اجتماعي أو نفسي أو أدبي([15]).

   تمثل((الواقعية))-بمعناها المتنوع الواسع-مدخلا أساسياً من  مداخل النقد الأدبي الحديث لدراسة النص الأدبي، وهي –في الأساس- المقابل الرئيسي لكل النظريات التي تربط النظر إلى النص الأدبي بالعالم الداخلي النفسي للمؤلف، فإذا كانت النفسية الفردية تعود بجذور العمل الأدبي إلى ذات مبدعة(ومن ثم ذات قارئة)، فالواقعة تعود به إلى عالم يقع خارج عالم النفس،وهو عالم الأشياء والأفكار والعوامل الفعالة في تكوين الواقع الخارجي. وإذا كان العمل الأدبي ينشأ في ذات مبدعه، فإنه وصاحبه -عند«الواقعيين» - من نتاج الواقع، فالنظرة« الواقعية» تعود بكل فكر، وكل عاطفة وكل سلوك وكل شيء إلى مرجع أوسع وأشمل من كل ذات مفردة وكل عالم  واع أو غير واع لا تدركه الحواس.

       وهناك نظريات ترى أن الأدب يتجه بطبيعته دوماً نحو « الواقعية» وكان ثمة عناصر فعالة في صلب تكوينه، تدفع به على نحو شبه حتمي-من غير الواقعي «إلى الواقعي». كان الأدب قديما يصور الآلهة، معبراً عن عصر أسطوري «ميثولوجي»، ثم تحرك –حركة ضرورية-نحو«الواقعية» في العصور الوسطى، فاحتفل بالطبقات العليا الحاكمة «الأرستقراطية» ، واعتبر هذا دفعة كبيرة في الخروج من« غير الواقعي» إلى «الواقعي». وفي العصور الحديثة خطأ خطوة هائلة-ولكنها ليست نهائية بطبيعة الحال- إلى عالم أوساط الناس، فصور حياة هؤلاء الناس ومؤسساتهم في محال البيع العامة وفي المصانع الصغيرة وفي بيوت المال المتواضعة وصور حركة الحياة العادية، واحتكاك الناس وسلوكهم اليومي. وقد جعل بؤرة اهتمامه في كل ذلك المشكلات الصغيرة مزيحا بذلك مشكلات-كانت من قبل تعد كبيرة-إلى هامش الاهتمام([16]).

 كان الولوع بالواقع الخارجي بكل تفاصيله هو الهدف الذي توخته «الواقعية الأدبية» كما تسمي نفسها أحياناً أو «الواقعية النقدية» كما تسمي نفسها أحياناً أخرى. وكان العمل الأدبي يجود على قدر ما يذكرنا بالواقع، أو –على الأقل-على قدر عدم تناقضه مع قوانين الواقع التي نعرفها والتي تحكم حركة حياتنا اليومية. وقد طغى هذا المفهوم –عند «الواقعيين» - على فنون الأدب كلها، حتى فن الشعر(مع أنه فن «الخيال» القديم) واعتبرت الفنون النثرية كالمسرحية والرؤية والقصة القصيرة مدينة بوجودها ذاته لطبيعتها الواقعية. ويحكي «ريلكه» قصة طريفة تعكس وجهة نظر القرن الماضي في معنى «الواقعية الأدبية»وهي قصة أديب من هذا القرن، قضى وقتاً طويلاً يعلم ممرضة في مستشفى كيف تنطق كلمة من الكلمات نطقاً صحيحاً، ثم يعلق«ريلكه» على ذلك قائلاً:«كان شاعراً، لذا فقد كره كل ما يمت بسبب إلى كلمة«تقريباً»([17]).

    تلك هي «الواقعية» بمعناها الأدبي أو النقدي أو بمعناها الأوروبي الأمريكي كما انتهت إليه. وهي «واقعية» لم تكن تتوانى عن التصدي لكل المفاهيم البالية، ومحاربة كل ما هو قديم. وقد مكنت لنفسها في جبهتين على وجه الخصوص، الأولى إعلان العداء لكل ما هو عاطفي أو مثالي أو «رومانتيكي» والثانية تبني أسلوب نثري في التعبير  الأدبي يهدف إلى تحقيق أكبر قدر من «مطابقة الواقع».وقد انتشرت هذه «الواقعية» فوصلت إلى أمم كثيرة في العالم، وأصبح مشروعا أن تسمى بـ «الدولية». ولأنها كذلك أفقد أصبح مشروعًا كذلك التسليم بأننا نواجه«واقعيات»لا «واقعية» واحدة، وأننا نواجه فروقا في الواقعية بين «كاتب واقعي» و«كاتب واقعي»آخر، بل بين مدخل واقعي نقدي، و«مدخل واقعي نقدي»آخر،وهكذا أمكن التمييز الواضح بين «واقعية» أعمال «بلزاك» و«واقعية»أعمال«زولا» و«واقعية» أعمال «جورج إليوت» و«واقعية» أعمال «ديكنز»و«واقعية» «هنري جميس» و«واقعية» أعمال «دريسير» و«واقعية» أعمال«تولستوى» و«واقعية» أعمال«دستيوفسكي» و«واقعية»أعمال«برانديس» و«واقعية» أعمال «أبسن». إنهم جميعا واقعيون من حيث إنهم يتجهون إلى القارئ العادي ويهتمون ببناء الشخصية العادية، ويصورون الشخصية وهي تضطرب في أحداث الحياة العادية، أو بعبارة«رينيه ويليك»:«يصورون الحقيقة الموضوعية الماثلة تصويراً موضوعياً»([18])، ولكنهم يختلفون فيما بينهم بعد ذلك في أسلوب تصوير تلك«الواقعية».

   كان هدف «الواقعية» تصوير كل جوانب الواقع بطبيعة الحال، ولكن ذلك لم يكن يعني أن كل عمل واقعي بذاته لا بد أن يصور كل نواحي الحياة الواقعة، أو أن كل أعمال أديب مفرد لا بد أن تصور كل نواحي الحياة الواقعية. لقد كان تصوير كل نواحي الحياة هدفا مشتركاً تسعى إليه«الواقعية» بصفتها وسيلة أدبية لتمثيل الحقيقة.وكان تصوير أحوال الطبقات العادية يتم في أحوال كثيرة من خلال نقد أحوال الطبقتين الوسطى والعليا، كما كان الجانب الأليم-بصفة خاصة- يحظى من أحوال الطبقة العادية بكل الاهتمام، فلم يكن من عمل الكاتب«الواقعي» أن يخلع أي نوع من أنواع الخيال على أحداث الواقع، بغية تجميلها أو التخفيف مما هي عليه من بشاعة أو قبح أو إيلام. وكانت«الواقعية« تفعل ذلك دائما بدعوى تصوير الأمور على «حقيقتها» ولأنها كانت في أساسها«واقعية نقدية». كما تريد أن تصور«الواقع» على «طبيعته» وقد برزت هذه النقطة«الطبيعية» في أعمال «الواقعيين» حتى اختلطت «بالواقعية»في المفهوم وتبادل المصطلحان المواقع في تطور تاريخ النقد الأدبي.                

    حرصت الواقعية النقدية في مسيرتها على أمور من أهمها تفادي كل ما من شأنه أن يوحي بعدم الإمكان« حتى ولو كان ممكنا في واقع الحال، ذلك أنه لا فائدة ترجى من تصوير الواقع على نحو لا يضع القارئ في صلب هذا الواقع، وفرق في التأثير بين إمكان حدوث الشيء في واقع الحال ووقوعه ضمن سياق أدبي، تتضافر فيه عناصر فكرية وأسلوبية وشعورية كثيرة. وقد يكون حدوث الشيء بذاته أمراً ممكنا ولكن تصويره في الأدب بطريقة غير «واقعية» يجعله بعيدا عن الإمكان. وعند هذه النقطة لا يسع القارئ إلا أن يستحضر في الذهن مال قاله أرسطو في أمر «المحاكاة» من المستحيل (واقعياً) الممكن (فنياً) أفضل من الممكن(واقعيا) المستحيل (فنياً)، كذلك حرصت«الواقعية» على تفادي الأساليب المفتعلة في تصوير الواقع، حتى لو كان هذا التصوير يساعد على إبراز الواقع بطريقة أوضح مما لو استخدمت في تصوير الأساليب الطبيعية. وبذلك سادت«الطبيعية الهادئة»لا «الواقعية الصارخة» أعمال الواقعيين الكبار.

    من أبرز القضايا التي يناقشها«المدخل الواقعي»في نقد العمل الأدبي قضية لغة العمل الأدبي، وهي مشكلة تتناول من وجهين، الوجه الأول يتصل بنوع اللغة التي يستخدمها هذا العمل حتى يحقق معنى كونه عملاً واقعياً، والوجه الثاني يتصل بالمواءمة اللازمة يقوم بها الأديب بين استخدام لغته الخاصة و«الإيهام» في الوقت ذاته بأن هذه اللغة هي نفسها اللغة التي تستخدمها شخصيات العمل الأدبي في حياتها الواقعية. في الناحية الأولى لم يكن خافياً على الأديب«الواقعي« أو الناقد «الواقعي» في أية مرحلة من المراحل، أن ثمة فروقا واضحة بين لغة العمل الأدبي الواقعي ولغة الناس في واقع الحياة، وأنه من المستحيل لذلك-بل إنه لمن غير المطلوب- أن يستخدم الأديب ذات اللغة التي يستخدمها الناس في حياتهم الفعلية.وعلى ذلك يكون معنى«واقعية»اللغة في العمل الأدبي ليس محاكاة لغة الواقع الخارجي الذي يصوره المعنى الأدبي، وإنما عدم وضوح التناقض بين هذه اللغة ولغة الطبقة التي يفترض أن يصورها هذا العمل.وفي الناحية الثانية كان ضمير  الغائب هو السلاح الفعال الذي يستخدمه الأديب الواقعي ليختفي وراءه،جاعلاً الشخصية تظهر في العمل، وتتطور أمام عين القارئ، على نحو ينسيه انه أمامك لغة هي من صنع الكاتب المنشئ، مع أنه –في واقع الحال- كمن صنعه فعلاً،ولقد ساعد هذا الأسلوب على جعل القارئ يتابع قراءة العمل الأدبي على أنه صورة موضوعية، تتكامل أمامه متأثرة بعناصرها الذاتية المستقلة([19]).

       على أن تحولاً جذرياً طرأ على معنى «الواقعية» وأهدافها منذ أوائل القرن؛ وذلك نتيجة للأثر الكبيبر الذي أحدثته آراء «ماركس» وإنجليز، و«لينين» و«تروتسكي»، في السياسة والاقتصاد وتفسير التاريخ وصراع الطبقات في المجتمع، لقد كان كمن أثر هذه الآراء على وظيفة«غير الأدبية»، أما التحول في «النظرية النقدية» الواقعية فقد تم حوالي منتصف العقد الرابع من القرن العشرين،حين قدم مؤتمر «كل الكتاب الروس» مصطلح«الواقعية الاشتراكية»سنة1934. لقد بدا معنى المصطلح الجديد مختلفا كلية عن معناه القديم؛ وذلك لأنه كان مرتبطاً بأفكار«ماركس»«الأيديولوجية». هنا تقرر معنى «الواقعية الاشتراكية» في الأدب على أنه وجوب أن يتعامل هذا الأدب مع قضية الصراع الطبقي، ويتبنى دائماً صوت الطبقة العاملة،وأن يكون الكاتب نفسه دائما من أبناء هذه الطبقة، وعليه أن يعمل على إحساس القارئ بالمجتمع الذي يحكمه الصراع الطبقي، وأن يحفزه على المشاركة فيه([20]). وهكذا لم يعد المدخل الأدبي الملائم للأدب –عند هؤلاء-«واقعيا اشتراكياً».  ومن المهم هنا التأكيد على أن مصطلح«الواقعية» يختلف عن معناه الذي كان سائداً في القرن التاسع عشر، فبعد أن كان يعني هناك الواقع الخارجي بتفصيلاته جميعاً، محققا بذلك معنى الكلمة اللغوي، أصبح يعني قوى بعينها في المجتمع وهي القوى الاجتماعية والاقتصادية كما يحددها"ماركس، وعلى هذا اختزل المعنى ليصبح في خدمة الاتجاه «المذهبي» الخاص. أما المصطلح الآخر«الاشتراكية» فقد زاد معناه من تباعد معنى« الواقعيتين» (النقدية والاشتراكية)، وذلك لأن معنى المصطلح الجديد لم يقصره على معنى المجتمع"الماركسي»فحسب، بل أوجب على الأدب كذلك أن يكون له هدف مستقبلي، هو نشر الأفكار الاشتراكية والمساعدة المقصودة على تذويب الفوارق الطبقية، وتوجيه الصراع الطبقي برمته نحو نصرة الطبقة العاملة، وحسم الصراع لصالحها، بحيث يصبح المجتمع في النهاية طبقة واحدة هي هذه الطبقة([21]).

         لم يدم التمسك بمفهوم«الواقعية الاشتراكية»على الطريقة«الماركسية» التقليدية طويلا، فسرعان ما بدأت فيه التعديلات والتوجيهات والتأويلات؛ وذلك إلحاقا له بركب العصر المتغير، وجعله مقبولاً من المناهج النقدية الأخرى المصطرعة في العالم. ولم يتخل هؤلاء الموجهون  المتأولون عن الهدف «الإيديولوجي» الأصلي ، وإن أصبحت بصماتهم الإصلاحية مع الزمن واضحة، ومن الممكن أن نطلق على هؤلاء«المصلحين» اسماً واحداً هو «الشكلانيون الروس»ومع ذلك  تظل آثارهم متفاوتة تفاوتا كبيرا. يقول أحدهم-وهو«ميدفيديف»- في كلام مبكر نسبياً:«إن على الشاعر النهوض بمسؤوليته الاجتماعية، ولكي يفعل ذلك لا بد أن يترجم هذه المسؤولية إلى لغة الشعر ذاتها، أي أنه لا بد أن يجعل من المشكلة الاجتماعية مشكلة شعرية، تحل بواسطة الأدوات الشعرية ذاتها» ولقد بذل هؤلاء«الشكلانيون» محاولات مضنية للتقريب بين المحتوى«الأيديولوجي» والشكل الفني، وأخذ الشكل يتجدد لديهم عن طريق التطور التاريخي، فكأنهم-في النهاية-عمدوا إلى إحلال«حتمية التطور في القوالب الأدبية» محل«حتمية التطور في الطبقات الاجتماعية»، وهكذا أصبح ميلاد أشكال جديدة في الأدب أمراً حتمياً- على حد تعبير «الشكلاني» الروسي الآخر«سكولوفسكي»-لا لأن مضمونا جديدا قد جد، مما ينبغي التعبير عنه وإنما لأن شكلاً قديماً قد استهلك لاستنفاد أغراضه الفنية، ومن ثم تحتم حلول شكل جديد محله. وفي مرحلة تالية، طور الأتباع آراءهم تطويراً حاسماً فمالوا إلى الانتصار لشكل الأدب حلا للمشكلات الناشئة من غموضه، فوضعهم هذا في شبه مواجهة مع النقاد الماركسيين التقليديين. ولكن هؤلاء«الشكلانيين» زادوا فقالوا باستقلال الدب عن كل ألوان المعرفة الأخرى،وقدموا مصطلحهم المعروف«أدبية الأدب» وأصبح حتماً عندهم لتحقيق هذه «الأدبية» البحث عن أدوات نقدية تنهض على اللغة الخاصة التي تميز الخطاب الأدبي عما عداه، وبخاصة في قالبه الشعري([22]).

       كان«للواقعية الاشتراكية» -في معناها المتطور- أثر بعيد في مجال النقد الأدبي، وذلك من خلال الأعمال التي كتبها نقاد ماركسيون أمثال «أورباخ» و«لوكاش» و«جولدمان» وكان هدف هذه الأعمال إرساء قواعد المفهوم«الماركسي»-المتطور- في تناول النص الأدبي. وقد أكدت هذه الأعمال على أهمية العنصر الاجتماعي في الأدب، بوضع الدوافع الاجتماعية الثابتة التي ينتمي إليها المضمون الأدبي أمام العناصر الأسلوبية المتغيرة، التي ينتمي إليها الشكل الأدبي، هذا مع بقاء النص الأدبي مجال مواجهة دائمة، أو جدل دائم بين المضمون والشكل. ونتيجة لذلك نما الوعي النقدي بضرورة إيجاد نوع من التوازن بين كل الظروف والعناصر التي تبقى المضمون والشكل متفاعلين. وإذا كان المضمون والشكل هما العمل الأدبي، فالعمل الأدبي هو صورة المجتمع في نهاية المطاف. وهكذا امتزجت «الماركسية» بالنقد الاجتماعي،  في قوة متفاعلة كانت قادرة على الإجابة على أسئلة كثيرة لا تتعلق ضرورة بتحليل الأعمال الأدبية المفردة، بل تتعلق بالمجتمع ومصير الإنسان.

        لقد دافع لوكاش عن «الواقعية» في الرواية بصفتها أسلوباً يحمل صورة«البنية الاجتماعية«، ولكنه لم يلزم نفسه بالمفهوم الخاص الضيق لمعنى «الواقعية الاشتراكية» كما أرساه مؤتمر كل »الكتاب الروس» المشار إليه سلفاً، ونظر «جولدمان» إلى رؤية الكاتب الشاملة بصفتها تجسيداً لصورة طبقته الاجتماعية. وحين أصبح «جولدمان» علما من أعلام «البنيوية» أفسح ذلك الطريق لتعديلات أخرى جوهرية على مفهوم النقد«الماركسي» التقليدي، قام بها فريق من النقاد المتأخرين، ممن يؤمنون بهذا الاتجاه في أوروبا وأمريكا، وأمثال«جيمسون»، و«ايجلتون»، وذلك في محاولة للتوفيق بين «أيديولوجية المضمون» و«أيديولوجية الشكل»، وإحكام الربط بينهما. ويمكن القول إنه تم تفاعل كبير بين «الماركسية» و«البنيوية» في العشرين سنة الأخيرة، وذلك على الرغم من بقاء الهدف (المضمون) مقدما دائما لدى «الماركسيين» على الوسيلة (الشكل).

        لم يتخل «المدخل الماركسي» في النقد الأدبي عن محوره الثابت قط، وهو عدم فصل الظاهرة الأدبية عن الظاهرة الاجتماعية، وعدم فصل الإبداع عن الكفاح السياسي. ولما كان الجنس البشري يواجه غ=في حاضره تحولات كبيرة،وألوانا شتى من التغيرات السياسية، وضروب الكفاح المصيري، فقد قلل ذلك من أهمية الاعتماد على الفكرة«الماركسي» التقليدية في «الصراع الطبقي»، وسعى النقاد العاملون في مجال النقد «الماركسي« الآن إلى إيجاد مجالات بديلة في التعبير عن الاهتمام بالواقع الإنساني الجديد وهم يوجهون النظر إلى مشكلات من مثل:آثار الحرب الفيتنامية، وأزمة البطالة في العالم ، والتفرقة العنصرية والاستعمار الجديد في مظهريه التحكم الاقتصادي والتدخل العسكري، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وضعف الفكر الماركسي في أوروبا، ونمو ترسانة الأسلحة النووية، مما يهد الكرة الأرضية برمتها، ومصير الإنسان عليها.

           هكذا يتراجع الفكر «الماركسي» عن أرضه التقليدية، ويسلم بالحاجة إلى استخدام أفكار نشأت وتطورت خارج النظرية "الماركسية»كما يسلم بمشروعة التشكيك في صلاحية بعض الأفكار الماركسية ذاتها. وهذا كله يجعل من الحديث عن مرحلة«ما بعد الماركسية» في النقد الأدبي أمراً مطروقاً، وبخاصة في أوروبا وأمريكا. وتسعى هذه المرحلة إلى تثبيت منهج«علمي –اجتماعي» على غرار المنهج النفسي-الاجتماعي« الذي أشير إليه عند«لاكان» في مرحلة « ما بعد الفرويدية». وكان الناقد الفرنسي «النوسير» هو الذي دعا إلى هذا المنهج، تأثراً «بالبنيوية» التي كانت تحيط به، وهو لم يكن غافلاً عن أنه يدخل بذلك تعديلات جوهرية على«المدخل الماركسي التقليدي» وفي ناحية أخرى يثور التلاميذ الممتلئون بالحيوية على أساتذتهم«الملتزمين» ، وذلك كما فعل الناقد الإنجليزي «ايجلتون» الذي ثار على أستاذه«وليامز». كان «وليامز» ناقداً تقليدياً ماركسياً، اتخذ«أكسفورد» وهي قلعة قديمة للماركسيين التقليديين مقراً له، وكتب كتباً معروفة مثل«الثقافة والمجتمع» و«الماركسية والأدب»، لكن تلميذه وليامز اتهمه بالفتور وضعف الوعي السياسي«وترك أكسفورد» كلها إلى كمبردج وكتب أعمالاً مهمة في «المدخل الماركسي» على الطريقة التي يراها، منها:«الماركسية والنقد الأدبي» و«النقد والأيديولوجية» و«نظرية الأدب» وفيها ابتعد كثيراً عن«الماركسية» التقليدية، وطور أفكاراً كثيرة متأثرة بنظريات اجتماعية لغوية«كالبنيوية» و«ما بعد البنيوية»([23]).

          يخاطب «المدخل الماركسي» في النقد الأدبي العالم كله الآن من أمريكا وبخاصة بعد حدوث ما هو واضح من أن مراكز الثقل، التي كانت موزعة قد انتقلت كلها إليها الآن، وقد نهض النقاد«الماركسيون» الجدد- أو نقاد «ما بعد الماركسية»-للعمل محاولين إيجاد حلف مع الحركات الجديدة، وبخاصة حركة«ديريدا» التي سيأتي الكلام عليها، وصحيح أن شكل العلاقة بين هاتين الحركتين-«الماركسية» و«التفكيكية» لم يستقر على نحو حاسم بعد، إذ لا تزال مجموعة من «الماركسيين» ترى أن اتجاه «ديريدا«» ليس سياسياً بما فيه الكفاية، ولكن التغييرات التي تحدث في «المنهج الماركسي» من الداخل، تغيرات بعيدة المدى، والأصوات الجديدة تنطلق باستمرار باحثة عن منابر تتحدث منها، «كالتاريخية الجديدة» و«نظرية الأدب»و«النقد النسائي»([24]).

                                                         (   هـ   )

 يعد مصطلح "الحداثة» من أهم المصطلحات النقدية، وأشهرها في النقد الأدبي الحديث، وهو يغطي أفكاراً واسعة، ويمتد في فترة زمنية طويلة، ويمكن العودة بتاريخه إلى نهاية الحرب العالمية الأولى، فقد قامت فكرة «الحداثة» (أي الثورة على كل ما هو تقليدي وقديم)إثر انقشاع الغشاوة عن العيون وخيبة الأمل الكاملة في العالم القديم، ونتيجة الويلات التي عانتها الإنسانية في الحرب. فالحداثة إذ تقطع الصلة بما قاد إلى تلك الكارثة العالمية، تدعو إلى أن يولي العالم وجهه شطر الحاضر والمستقبل بانيًا في ذلك الوعي البشري من أفكار مستحدثة وقوالب مستحدثة ومعمقاً الإحساس بانهيار العالم القديم. وهكذا عبر أدب «الحداثة» عند«جيمس جويس»، عن إفلاس المؤسسات «الحضارية» القائمة من خلال تصويره مأساة إنسان العصر، وذلك من خلال الوعي الداخلي(تيار الشعور) لهذا الإنسان. كذلك حطم «بيكيت» السياق التاريخي للإنسان، مؤكداً عزلته الفردية المأساوية الدائمة، وعبثية مصيره. أما «إليوت» في (الأرض اليباب) فلم يجد ملجأ من اليأس وانحسار اليقين إلا في نوع  من العودة إلى الماضي، ولكنها عودة خاصة على كل حال([25]).

     وتعد الحداثة في جانبها النقدي ثورة على أهم فكرة حكمت معنى الإبداع قبلها، وهي الفترة «الرومانتيكية» بكل مظاهرها، من التركيز على العالم الذاتي الشخصي، وجعل الفردية أصلا ومنطلقاً في كل جوانب التفكير والإدراك. وإذا كانت «الرومانتيكية» تدعو إلى كل ما هو ذاتي فإن الحداثة تدعو إلى «الموضوعية» على أن هذه «الموضوعية» لم تنشأ بين يوم وليلة، ولم تولد ناضجة. إن لها جذوراً ورواداً ومنظرين وشراح عرفت بهم وعرفوا بها. والبعض يعود بجذورها البعيدة إلى فلاسفة ومفكرين من الماضي أمثال«نيتشه»«وهيجيل» و«كانت» ولكن الذي لا شك فيه أن من أشهر روادها«باوند» و«هيوم»، وهما وإن دعواَ إلى مدرسة في الإبداع تسمى«المدرسة التصويرية» متأثران بالمدرستين «الرمزية» و«البرناسية» قبلهما،وممهدان «للموضوعية» بعدهما.لكن الناقد الإنجليزي رتشاردز أعطى بأفكاره النظرية وتحليلاته التطبيقية، دفعة قوية لفكرة«الموضوعية»(مع أنه يعد كذلك من أصحاب «النقد النفسي»)، وأما الذي وضح خصائصها وشرح مصطلحاتها وحد حدودها فهو «ت.س.إليوت» كان «ريتشاردز» من القائلين بأن الشعر تجربة شعورية، ولكنه كذلك كان من القائلين بأن «الأفكار» هي أصل« المشاعر» وقد دافع عن القراءة التي تحفظ للشعر استقلاله باعتباره كياناً لغوياً وبخاصة في كتابه المعروف«النقد العملي»([26]).

          أما «إليوت» فقال باتحاد الفكر والعاطفة في الإبداع الشعري وعارض الخلط بين الفكرة  ومغزاها الأخلاقي ثم هاجم «الرومانتيكية» وشعر التعبير عن الشخصية مؤكدا أن الشعر بنية موضوعية، أي أنه معمار وهندسة، وليس تعبيراً عن العاطفة. وكان من أهم ما أنجزه مصطلح «المعادل الموضوعي» الذي ستأتي الإشارة إليه، ثم أفاض في الكلام على مفهوم النقد ومهمة الناقد، وطريقة عمله، بما يجعل العمل الأدبي هو المقصود بالذات في عمل الناقد، وقد فتح بذلك الباب واسعاً إلى التركيز على النص باعتباره بداية العمل النقدي، وإلى التحليل اللغوي الموضوعي الذي يبدأ من النص وينتهى به.

         يرى «أليوت»أن الشعر ليس تعبيرا عن المشاعر الغلابية- كما ذهب «وردزورث»- وإنما هو –على العكس من ذلك- هروب من المشاعر الغلابة. إنه تركيز لمجموعة هائلة من التجارب ينتج عنها كيان تعبيري جديد هو العمل الأدبي. وهذا التركيز لا يحدث عن وعي أو قصد، ولكن الوعي والقصد يوجدان في مراحل كثيرة من مراحل الكتابة الشعرية. والشاعر الجيد هو الذي يعرف المراحل التي يكون فيها غير واع، والمراحل التي يكون فيها واعياً، والشاعر الردئ هو الذي يكون واعياً عندما ينبغي أن يكون غير واع، ويكون غير واع عندما ينبغي أن يكون واعياً. وهو في الحالتين يكتب شعراً يحمل طابع المشاعر الشخصية. والشاعر الجيد هو الذي يهرب من عواطفه الشخصية، ويجد لها وعاء مناسباً هو القصيدة([27]).

     ويعيب «أليوت» على الشاعر «وليم بليك» أنه يعلق على قدراته الخاصة من الاهتمام أكثر مما يعلق على القالب الشعري. لقد كانت له قدراته الخاصة على التخيل، وسبر الطبيعة الإنسانية والإحساس الفردي بموسيقى الكلام، ولكنه لم ينجح في ربط هذه القدرات بالأسباب «الموضوعية» العلمية، أو بالإحساس العام. والنتيجة أن «بليك« كان في نظر«أليوت» عبقرية ينقصها الإطار. والإطار إنما تصنعه الأفكار العامة المقبولة، التي تشكل سياجا يحمي القدرات الخاصة من الإسراف العاطفي والشعور الذاتي، ويوجهها ناحية الاهتمام بمشكلات الشعر وتقاليده الأساسية([28]).

            وفي مرحلة تالية من كتاباته يهاجم «إليوت» فكرة تاريخ الأدب ؛لأنها تعطي الكلام حول الأدب من الأهمية أكثر مما تعطي الأدب ذاته. وهو يقول في ذلك:«ويجب ألا نخلط بين المعلومات والحقائق المتعلقة بالفترة التي عاش فيها الشاعر، أو حالات المجتمع الذي عاش فيه، أو الأفكار السائدة في عصره مما تضمنته كتاباته أو حالة اللغة في زمنه، يجب ألا نخلط بين كل هذا وبين فهم شعر الشاعر، فمثل هذه الأمور-غير الشعرية قد تكون تمهيداً لدراسة الشعر، ومؤشراً يرشدنا إلى الطريق ذاته، فينبغي أن نمضي فيه، معتمدين على أنفسنا،وعلى النص الشعري»([29]).

           وكما يرى «إليوت» العمل الشعري باعتباره بناء مستقلاً عن كل شيء عداه، يأخذ رحلته في الزمن، مستمداً صفاته من خصائصه الذاتية التي لا صلة بينها وبين ظروف تأليف النص، أو حياة المؤلف، يرى في النقد كذلك عملاً «موضوعياً» يجعل هدفه فحص تأليف النص الشعري،والنظر إليه على أنه كيان جديد مختلف عن كل مادة أولية يمكن أن تسهم في تكوينه. ويمكن تصور الشاعر شخصيتين شخصية تحس وتجرب وتكون المادة الأولية للشعر، وشخصية تحول المادة الأولية إلى قالب فني شعري هو القصيدة. وفي معرض الانتقال من «الذاتية» إلى «الموضوعية» دعا «إليوت» إلى التقاليد الفنية والإحساس بالماضي في الحاضر،على نحو يكون للماضي فيه دور  في فهم الحاضر وتوجيهه. وليس معنى هذا لديه أن يكون الحاضر تقليداً للماضي وإنما معناه أن الحاضر امتداد حي للماضي يستفيد منه ويفسره وقد يعدله. ونتيجة لكل ذلك ينتهي إلى القول بأن الشعر لا يعرف «الأصالة الكاملة»  التي لا يدين فيها الحاضر للماضي بشئ. على أنه عندما يوجد شاعر عظيم«كشيكسبير» و«دانتي» يتغير وجه الشعر بشكل نهائي،وذلك بسبب التغيرات النوعية التي يحدثها مثل هذا الشاعر في تقاليد الشعر. وهكذا تتجلى قدرة الشاعر الحقيقي عند«إليوت» في أنها:«التعبير عن الحقيقة العامة من خلال التجربة الخاصة، واستجماع كل الخصائص المميزة للتجربة الخاصة، واستخدامها في رمز عام. وهذا الرمز العام هو القصيدة التي يمكن أن نسميها«المعادل الموضوعي»للمشاعر»([30]).

         حكمت الفكرة«الموضوعية» إنتاج «أليوت» الإبداعي والنظري إلى حد بعيد: ففي الجانب الإبداعي اتسمت قصائده بالأسلوب الدرامي النامي المتماسك؛ من «أربعاء الرماد» إلى «الرباعيات الأربع» إلى «الأرض اليباب» (المشار إليها سلفا)، وفي الجانب المسرحي قدم مسرحياته الشعرية المعروفة التي كان لها أكبر الأثر في تأكيد البنية الأدبية المستقلة؛ من «جريمة قتل في الكاتدرائية» إلى «حفلة الكوكتيل»، إلى «اجتماع شمل العائلة». أما في الجانب النظري فقد قدم-كما رأينا- تلك النظرية التي تعلق أكبر الأهمية على بناء قالب الشعر على نحو «موضوعي»،وترى أن في بناء هذا القالب ذهنا وجهداً وصنعة أشبه بما يرى في عالم المعمار، كما ترى فيه إشارات رمزية وأسطورية واستقلالا ذاتياً لا يحتاج معه في تحديد خصائصه إلى أية عوامل مساعدة من الخارج وإذا كانت الحالة هذه فإن على الناقد الأدبي أن يواجه النص على نحو مباشر، وأن يفحصه بوسائل فنية محضة، تلقي الضوء عليه بالكشف عن فلسفته المعمارية، وتفسير ما يشتمل عليه من رموز وإشارات، ثم تقدير مكانته الملائمة في سياق النوع الأدبي الذي ينتمي إليه.

           وليس للشعر في «النظرية الموضوعية» هدف مسمى أو فائدة مباشرة لا من الناحية الأخلاقية العامة ولا من الناحية الاجتماعية الخاصة، فضلا عن أن تكون له فوائد سياسية أو مذهبية لكن له أثرا هاماً هو تحقيق «المتعة» التي هي ضد «المنفعة». يقول«أليوت» :نحن لا نسأل أنفسنا إذ نرى قطعة من فن العمارة أو سماع قطعة من الموسيقى ما الذي استفدناه أو ربحناه من رؤية تلك أو سماع هذه، ولكن ذلك لا يعني أنهما يخلوان من الأثر. وكذلك الشعر فأثر بعيد في تصفية إحساسنا وجعلنا أقدر على الفهم. ويزيد «أليوت» على ذلك فيقول إنه ليس محظوراً على الشعر أن يحقق فائدة، ولكن المحظور أن يكون فهمنا له نابعاً من التفكير في فوائده، فإذا خلد الشعر مناسبة أو احتفى بمهرجان، «فبها ونعمت» ولكن أثره الأبقى هو إحداث ثورات في الإحساس يحتاج إليها الإنسان، فهو يساعد على كسر الإطار الذي لا ينفك يتكون حولنا في مقاييس إدراك الأشياء، والحكم عليها. وهكذا يساعد على جعل الناس قادرين على رؤية عالمنا هذا-أو جزء منه-رؤية جديدة وذلك بجعلهم أكثر وعياً بنوع المشاعر العميقة التي تشكل الطبقة الباطنة من وجودنا. وهكذا يغير الشعر-عند «إليوت»- في المدى البعيد من مشاعر الناس وكلامهم وحياتهم سواء في ذلك منهم من يقرأ الشعر ومن لا يقرؤه، وذلك إلى  الحد  الذي يصعب معه تتبع هذا الأثر، أو التدليل عليه. وعند ذلك يصبح تتبع أثر الشعر -كما يقول «إليوت»- كتتبع طائر في سماء صحو، فأنت ترى هذا الطائر عندما يكون قريبا وتستطيع أن تتبعه إلى مسافات بعيدة جداً لا تستطيع الوصول إليها عين راء آخر تحاول أنت أن تشير له إليه. وإذا حدث ذلك وجد تأثير الشعر في كل مكان من حياة الأمة في مشاعرها وفي لغتها وفي حياتها وهذا هو الأثر «الاجتماعي» بالمعنى العام- للشعر([31]).

          كان من النتائج الواضحة لنظرية«إليوت» «الموضوعية» توجيه سهام متتابعة إلى «المنهج البيوجرافي» ذلك المنهج الذي يربط «حياة» النص بـ«حياة« مؤلفه ربطاً عضوياً، والذي كان سائداً وأثيراً منذ«سانت بيف» و«تين« و«برونتيير» . وصحيح أننا نجد هذه السهام توجه إلى هذا المنهج عند«الشكلانيين الروس» فقد قالوا بعدم جدوى النظر إلى حياة المؤلف، وذلك في معرض قولهم»بأدبية الأدب» واستقلال عناصره. وقد ذهبوا في ذلك حداً سخروا فيه من هذا المنهج، قائلين إن أعمال الشاعر الروسي«بوشكين» كانت ستكتب، وجد«بوشكين» أو لم يوجد، كما أن أمريكا كانت ستكتشف وجد «كولومبس» أو لم يوجد([32]). ولكن الذي قلص من فعالية هذا المنهج –بطريقة نظرية وعملية-هو«إليوت»، فمهد بذلك الطريق إلى الحملة النقدية المنهجية المنظمة عليه، والتي جعلت من موته الآن حقيقة واقعة. يقول«رينيه ويليك»، و«أوستن وارين» في كتابهما«نظرية الأدب» (والاقتباس قد يطول).

             .«... وحتى حين يشتمل عمل فني على عناصر يمكن التعرف عليها باعتبارها عناصر «بيوجرافية» فإن هذه العناصر يعاد توظيفها في العمل الأدبي، بحيث تلبس ثوباً جديداً تفقد فيه المعنى الخاص لها، وتصبح مادة إنسانية وجزءاً لا يتجزأ من العمل الأدبي والفكرة القائلة بأن الفن تعبير صريح عن النفس، أو هو التعبير عن المشاعر والعواطف الشخصية، فكرة باطلة في واقع الحال. وحين نجد اتصالاً وثيقا بين العمل الفني وحياة مؤلفه فهذا لا يعني أن العمل نسخة من هذه الحياة. «والمنهج البيوجرافي» يتجاهل أن العمل الفني ليس تجسيدا للتجربة الشخصية، وإنما هو «تجسيد» لآخر حلقة من سلسلة النوع الأدبي الذي ينتمي إليه. كذلك يتجاهل«المنهج البيوجرافي» أبسط حقائق النفس البشرية، ذلك لأن العمل الأدبي قد يجسد أحلام الكاتب، لا حياته الحقيقية، أو قد يكون قناعا  يتخفى وراءه الشخص الحقيقي أو قد يكون صورة للحياة التي يريد الكاتب أن يهرب إليها. وفي كل الأحوال تختلف تجربة الكاتب في الحياة عن هذه التجربة ذاتها، إذا وضعت في قالب فني.

             وينبغي أن نبحث كل حالة على حدة، إذا كان لا بد من أخذ حياة المؤلف في الاعتبار عند تفسير العمل الأدبي، وألا نعد العمل الأدبي-في جميع الأحوال- وثيقة شخصية. كذلك ينبغي أن نعيد النظر في الدراسات التي تعتمد كلية على حياة الكاتب، وتفسير العمل الأدبي على أساس هذه الحياة،وذلك مثل الدراسات الكثيرة التي تناولت أعمال الأخوات «برونتيز»، وقيل عن رواية«مرتفعات وذرنج» إن كاتبتها لا يمكن أن تكون أنثى(وكاتبتها هي إميلي برونتي)، وأن كاتبها لا بد أن يكون «باتريك برونتي» (أخوها). وقد دعا هذا المنطق المتهافت إلى السخرية منه بحق، فقال بعض الكتاب إنه بناء على ذلك-لا بد أن «شيكسبير» قد زار إيطاليا، وأنه كان جندياً ومزارعا ومدرساً ومحامياً، ثم زادت إحدى الناقدات على ذلك قائلة إنه لا بد أن يكون امرأة كذلك.

           وقد يقال إن كل ذلك لا يحل لنا المشكلة الناشئة من وضوح العنصر الشخصي في الإبداع الأدبي، ونحن حين نقرأ«دانتي» أو «جوته» أو «تولستوي» ندرك أن ثمة شخصاً معيناً وراء العمل في كل حالة. يضاف إلى ذلك أن ثمة مشابهة لا تنكر بين أعمال الكاتب الواحد، كما أن ثمة صفة قد نسميها «الملتنية» في أعمال «ملتن« وأخرى قد نسميها«الكيتسية» في أعمال«كيتس» لكن الرد على ذلك واضح، وهو أن هذه الصفة يمكن ردها إلى طبيعة أساليب هؤلاء الكتاب، لا إلى واقع حياتهم الخاصة، فنحن نتعرف على السمة «الشيكسبيرية» و«الفيرجيلية»- في أعمال هذين الكاتبين العظيمين- دون حاجة إلى الرجوع إلى أحداث حياتهما.

          وغالباً ما يكون عمل الشاعر «محاكاة فنية» لتجاربه الخاصة وحياته الخاصة، فإذا استخدم «المنهج البيوجرافي» في التمييز بين حياة الكاتب وفنه كان مفيداً. وهو قد يحقق فوائد توضيحية بتقديم تفسير لكثير من الإشارات و«الاستخدامات» الواردة في النص الأدبي، وقد يساعد على إدراك التطور والنضج والتدهور في فن الكاتب، وغير ذلك من الأمور التي تتصل بمهمة مؤرخ الأدب. وقد يساعد هذا المنهج مؤرخ الأدب في نواح أخرى، مثل تقديم إجابات على الأسئلة المتعلقة بثقافة الشاعر، وعلاقاته بالأدباء الآخرين، وأسفاره والأماكن التي عاش فيها والمناظر الطبيعية التي شاهدها، وكل ذلك يلقي ضوءاً على التاريخ الأدبي وتقاليد الإبداع.

          غير أنه من الخطأ أن ينسب إلى العناصر «البيوجرافية» أية قيمة نقدية، فالحقيقة المتعلقة بسيرة الكاتب لا يمكن أن تغير شيئاً من التقويم النقدي أو تؤثر فيه. ونخطئ كذلك إذا فهمنا معنى«الصدق» في الأدب على أنه القرب من «الحقيقة الشخصية» أو الاتصال بتجارب الكاتب أو مشاعره التي تحددها الوقائع الخارجية، وقصيدة«بيرون» مثلا المسماة«وداعاً» لا يمكن أن توصف بأنها«أجود» أو «أردأ» لمجرد أن موضوعها هو تقديم علاقته مع زوجته في صورة فنية. وقد كتب«توماس مور» مشتكياً من أن آثار دموع الشاعر لا توجد على مخطوطة القصيدة، فرد عليه«بول ألمر» قائلاً إن ذلك ليس مدعاة للشكوى في شيء، فالقصيدة موجودة سقطت عليها الدموع أو لم تسقط. أما العواطف الشخصية فقد انقضت، ولا يمكن أن يعاد تكوينها بل إنه لا داعي-في الحقيقة-لإعادة هذا التكوين([33]).

          كان من أهم ما تولد عن الآراء «الموضوعية»التي قادها«إليوت» في النقد ومهد لها غيره وما تبعها من انهيار«المنهج البيوجرافي» حركة«النقد الجديد» في أمريكا. وقد جعل الناقد «جونكرورانسوم» هذه العبارة عنواناً لكتاب له صدر سنة1949،وكان يصف بهذه العبارة أعمال نقاد«الحداثة»أمثال «رتشاردز» و«إليوت» و«امبسون» و«ليفيز»، ثم أصبحت مصطلحاً يطلق على الأعمال النقدية التطبيقية التي يكتبها أتباع هؤلاء أمثال «كلينيث بروكس» و«روبرت بن وارين»و«ألان تيت» و«بلاكمور»([34]).

                   تذهب «حركة النقد الجديد» إلى أن مهمة الناقد الأدبي هي فحص الأعمال الأدبية المفردة، وتقدير قيمتها(وسنرى بعد قليل أن الفحص والتقييم لديها أمر واحد)، وذلك عن طريق «القراءة الفاحصة» الدقيقة. وهذه الحرمة تعطي أقل الاهتمام لحياة الكاتب ولتاريخ الأدب وللأحوال الثقافية التي تحيط بالعمل الأدبي. ومع أن هذا المنهج يصدق- من الناحية النظرية- على الأدب كله، يلاحظ أن النقد الجديد ركز في تحليلاته التطبيقية على الشعر بصفة خاصة. ولقد كانت «القراءة الفاحصة»-في القضية التي يعالجها ، ذلك لأن العمل الفني لا يهتم أصلاً بالرهينة على قضية متخيلة،تتجلى- من الناحية الفعلية- في شبكة معقدة من الأحداث،أو الأحاسيس أو الانطباعات أو التأملات.والعمل الذي لا يصور كثل هذه التجربة على نحو بسيط، كما هو الحال في القصص المباشر أو الوصف الذي يمكن إيجازه في لغة هذا العمل.إنه-وبصفة خاصة في قالب الشعر- يوظف كل إمكانات اللغة،من التصوير والحيل الأسلوبية المجازية، والغموض الفني والأنماط المتمثلة في الإيقاع والقافية والتكرار، وما إلى ذلك. كل ذلك على نحو يجعل من هذه الأساليب مؤشرات ودوال على «التجربة» التي يعبر عنها هذا العمل. ويكمن معنى «التجربة» الأدبية لا في الذي تقوله، وإنما في كيفية قول هذا الذي تقوله. وهنا يأتي دور «القراءة الفاحصة»، التي تصف النص الأدبي على نحو يوضح كيف أن هذه «التجربة» وأسلوب  التعبير عنها إنما هما شيء واحد. ومعنى هذا أنه لا يمكن إدراك أحدهما منفصلا عن الآخر. وإذا أمكن الحديث عنهما منفصلين كان هذا دليلا على ضعف العمل الفني . و«القراءة الفاحصة» ليست- مجرد مهارة عملية-، وإنما هي قدرة مركبة على إدراك معنى العمل الأدبي، وتقدير قيمته في الوقت ذاته.

  وكما أن مضمون العمل الأدبي وشكله أمر واحد، ففهم العمل الأدبي وتقديره أمر واحد([35]).

          يتجلى الإنجاز الأساسي للنقاد الجدد في تحليلاتهم التطبيقية المضنية للبنية الداخلية للعمل الأدبي. وهم يركزون في ذلك على ما يعتقدون أنه العناصر الجوهرية للنص، وهذه العناصر يمكن إجمالها فيما يلي:

  1. التجانس الحاصل بين عناصر العمل الأدبي التي هي مكوناته الأساسية. ولإدراك ذلك ينبغي أن تكون نقطة الانطلاق في التحليل الأدبي هي النص الأدبي ذاته، «فالنقد الجديد» لا يلجأ إلى شيء من خارج النص يجعله نقطة بدايته في التناول سواء أكان ذلك التاريخ السياسي أم الاجتماعي أم الثقافي أم حياة الكاتب أم غير ذلك مما لا يدخل في صميم البنية النصية للعمل. ولم يقل النقاد الجدد إن استخدام هذه العناصر محظور في الدراسة الأدبية عموماً، وإنما قالوا إنها خارجة عن نطاق النقد الأدبي. وقد عرض هذا «النقد الجديد»-كما هو متوقع- لحملات هجومية شنها عليه مؤرخو الأدب والنقاد الاجتماعيون بصفة عامة، والنقاد«الأيديولوجيون» «الماركسيون» بصفة خاصة.
  2. وحدة التجربة في العمل الأدبي، وهذا معناه أن القصيدة قيمة نفسية، حدسية شاملة ومستقلة بذاتها وليست قيمة «معرفية». وواضح في هذه النقطة أثر «رتشاردز»  على ا«النقاد الجدد» فقد أكد هذه النقطة وعاد إليها أكثر من مرة في كتبه»«معنى المعنى»، و«مبادئ النقد الأدب»و«الشعر والعلم»([36]).

وتكمن أهمية هذا العنصر في أنها تعني التفرقة الحاسمة بين الشعر والفلسفة من جانب(وقد سبقت الإشارة إلى ذلك)وبين معنى«الصدق»في كل من الشعر والعلم من جانب آخر.

  1. الطبيعة العضوية للنص الأدبي. وتعود فكرة «العضوية» -من الناحية التاريخية –إلى الشاعر الناقد «الرومانتيكي» الإنجليزي-«كوليردج»، وهي تعنى توازن عناصر النص الأدبي في نواح كثيرة، منها الشكل والمضمون، والنمو الخيالي والنمو الخارجي، والمعنى والموسيقى.
  2. اتصاف العمل الأدبي«بالتركيب» وبعده عن«البساطة». ويجعل هذا العمل «مركبا» لا «بسيطا» تضافر عنصري «السخرية» و«التضاد» فيه  بحيث يظل هذان العنصران متجانسين، ولكن غير متحدين حتى نهاية العمل([37]).
  3. جعل«القراءة الفاحصة»أداة تحليل معجم النص، وتراكيبه اللغوية والنحوية وكجازاته وصوره ورموزه واللوازم الواردة فيه، والإشارات التي يستخدمها، وكل ما من شأنه أن يساعد على جلاء المعنى الكامل له. ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع من الفحص الدقيق لبنية النص الأدبي أصبح طابع كل الاتجاهات النقدية التي أتت بعد اتجاه«النقد الجديد»، حتى تلك الاتجاهات التي تقوم على عداوة هذا النص والهجوم عليه كاتجاهات«ما بعد الحداثة» و«ما بعد البنيوية».
  4. مسؤولية الناقد في إصدار حكم على العمل الأدبي. لكن معنى الحكم عند«النقد الجديد» قد اختلف عما كان سائدًا من قبل. لقد كان الناقد قبل حركة«الحداثة» يصدر أحكامه من «منصة» عالية، تدعي لنفسها سلطة مطلقة ولا تهتم حتى بشرح «حيثيات» الأحكام النقدية للقارئ فأصبح «الناقد الجديد» يصدر أحكاماً، ولكن كجزء من إجراء نقدي لا يمكن الفصل فيه بين الحكم والتحليل. وبذلك أصبح القارئ شريكا في المشروع النقدي، وأصبح «النقد» يحمل مصباح إضاءة لا صولجان حكم([38]).

كانت التهمة الأولى التي وجهت إلى اتجاه «النقد الجديد» أنه يجافي «الديمقراطية»؛ وذلك حين يعمل في دائرة شبه مغلقة على نفسها، قد تخدم العمل الأدبي والقارئ، ولكن في نطاق محدود جداً. وكانت التهمة الثانية أن موهبة «النقد الجديد» موهبة ذات بعد واحد، فهي تأخذ خيطا واحداً من خيوط العمل الأدبي(هو قالبه) وتعزله عن بقية خيوط النسيج، ثم تعامله على أنه النسيج كله.وقد شعر تلاميذ الأدب وهم يتركون قاعات الدرس، بعد تلقيهم هذه التحليلات النصية المرهقة بطريقة «القراءة الفاحصة» أنهم أمام «نقاد» يعرفون هم وحدهم سر صنعتهم، ويضنون بهذا السر على من سواهم. وقد تصاعدت التهم الموجهة إلى هذا النقد، حتى بلغت حداً جعلته فيه مرادفاً لاتجاهات كانت قد ماتت منذ زمن بعيد، مثل «الجمالية» و«الفن للفن» و«الانطباعية»و«الانعزالية» وكان من شأن بعض هذه التهم أن يسبب ذعراً للنقاد الجدد. وكان واضحاً لذلك-أنه على مشارف الستينات من هذا القرن كان ثمة اتجاهات نقدية  أخرى تتقدم إلى الساحة بقوة لإزالة حركة«النقد الجديد» واحتلال مكانها. وقد حمل بعض هذه الاتجاهات شعار وجوب إخراج «الإجراء النقدي» من دهاليز الغموض والتعقيد، وتقريبه من لغة الحياة العامة، وعدم اقتصاره على اللغة المهنية الخاصة، وكان«نورثروب فراي» من أقوى الأصوات في الحملة الموجهة إلى «النقد الجديد» دون جدال.   

          ينطلق«فراي» من نقطة خلاصتها أن الفرد -مهما كان متميزا وقادراً- لا يمكن أن يصنع«كيانا» سابقاً على «كيان» المجتمع. وعلى ذلك فتحليل الأعمال الأدبية المفردة-مهما تكدس أو تعمق- لا يمكن أن يصنع نظاما. والنتيجة أنه لا بد من «افتراض نموذج أعلى» ترتد إليه المفردات، فيرى«العمل الأدبي» في ظل «المجتمع الأدبي» ويرى «المجتمع الأدبي»في ظل «المجتمع العام». وهذه النظرة التي تبحث عن نظام مسبق ترمي إلى إخراج «النقد الأدبي» من حيز الاجتهادات الفردية وجعله «علما»، ولعل هذا هو ما نلمحه من تسمية «فراي» كتابه الأشهر» «تشريح النقد». مزج «فراي» في أفكاره النقدية بين«المنهج النفسي» و«المنهج الأسطوري»، وقرب في القيمة بين الخطاب الأدبي والخطاب العادي، فاعتبر- بخاصة في جانبه  الثاني- واحداً ممن أسهموا بجهودهم في النقد «البنيوي» أو بعبارة أدق اعتبر «نصف بنيوي»([39]).

                                             

                                              (  و  )

     خلفت«البنيوية» «النقد الجديد» معتمدة  في أصولها على أفكار العالم اللغوي الاجتماع سوسير، وبخاصة تلك التي عبر عنها في محاضراته التي ألقاها في جامعة جنيف من سنة1906 على سنة1911. ويفرق سوسير بين مفهومي «اللغة» و«الكلام»، فـ«اللغة» عنده نظام عام و«الكلام» سلوك لغوي، والرموز اللغوية رموز اعتباطية، ومعنى هذا أن الأفراد أحرار في اختيار ما يتحدثون به ، ولكن فعلهم هذا يأخذ حيز التنفيذ (التفاهم) عن طريق مجموعة من النظم والقواعد التي تسيطر عليه، أو تقرره-طبيعة الموضوع المتحدث فيه. وقد أهمل سوسير الطريقة التتابعية التاريخية في النظر إلى اللغة واعتمد الطريقة الوصفية «الآنية» فساعد بذلك إلى النظر إلى الواقع –في التصوير الأدبي- على أنه نحو«تزامن» فيه الصور«لا تتتابع»([40]).

        وتعتمد«البنيوية» القول بأن هناك نظاما لغوياً موحدا يحكم بنية السرد القصصي والأسطوري، هذا مع تسليمها بأن الثقافات في العالم متباعدة، وبالتالي فأن طابعها –بالضرورة- محلي، ويحكم الفكر«البنيوي» عنصران، الأول أن الإنسان يوجد من خلال سياق ثقافي ليس بوسعه السيطرة عليه أو التحكم فيه، وتلك هي الناحية «الأيديولوجية» التي تربط «البنيوية» «بالحتمية التاريخية» و«الماركسية» والثاني أن العمل الأدبي يبقى غامضاً«رجراجا» «هلاميا» ولا يأخذ شكله وقالبه إلا من خلال قراءته طبقاً لطرائق المنهج«البنيوي». وتقترب«البنيوية» من«الموضوعية» في جانب من جوانبها؛ وذلك حين ترى أن تقاليد الأدب وعمل الرموز وآثار كل ذلك على القارئ أمور لا تقع ضمن قدرات القارئ وإنما تقع ضمن العناصر الموضوعية للقوالب الأدبية.

             ولم يكن الأدب في البداية يقع ضمن اهتمامات «البنيوية» أي أنها- في الأساس- ليست منهجا نقدياً، ولكن النقاد الأمريكيين جعلوا منها- منذ أواسط السبعينيات- منهجا نقدياً يحمل طابعاً عالمياً وعلى ذلك أصبحت أسماء :«سوسير» و«ستراوس» و«بارت» و«جاكبسون» و«جولدمان» (المشار إليه سلفا) هي الأسماء الأكثر تردداً في مناقشات النقاد، بل وفي مناقشات كل المشتغلين بالدراسات الإنسانية في كل  من أوروبا وأمريكا. ثم توالت أجيال النقاد البنيويين- ومنهم«بول دي مان» و«هارتمان» و«كولير» و«دوناتو» و«جيمسون» و«إدوارد سعيد» فشرحوا مبادئها وطوروها، وذلك عن طريق تطعيمها بفروع نامية أخرى في علم اللغة والتأريخ والاجتماع ولكنهم لم يبذلوا في تطبيقها على النصوص الجهد الذي بذلوها في النقاش النظري([41]). وحين أعلن«ديريدا» موت«البنيوية» وقدم مصطلح «التفكيكية» على أنقاضها أصبح كثير من هؤلاء النقاد -الذين كانوا قد كتبوا من قبل تحت «علم» «البنيوية» ينتمون –بطريقة شبه «ميكانكية» -إلى «ما بعد البنيوية».

                   يركز «ديريدا» في قراءة النص الأدبي-طبقاً لمنهجه «التفكيكي»-على ما يسميه «الاختلاف» في النص الآخر، ولا يتضح معناها إلا من خلال هذا «الاختلاف». ويأخذ هذا «الاختلاف» في النص الأدبي عادة شكل«التقابل» أو«التضاد» فـ«الطبيعة» تختلف عن «الثقافة» واللون«الأحمر«» -في إشارات المرور- يختلف عن اللون«الأخضر»- وهكذا) والعلاقة دائما بين «الدال» (الضوء الأحمر في إشارات المرور مثلاً) و«المدلول»(التوقف عن السير في هذا المثال)، «تقليدية» وليست«منطقية»؛ وذلك لأنها استقرت عن طريق نظام محلي في التمييز بين الأشياء. وهذا«الاختلاف»-الذي يجعل لهذه الرموز معنى طبقاً لتحليلات «ديريدا» -هو نفسه الذي يحول بينها وبين أن يكون لها معنى محدد، فضلاً عن أن يكون لها معنى قاطع. ومن جهة أخرى تختلف«العلامة»-أو الإشارة- عن مثيلاتها، وذلك بحسب السياق الذي ترد فيه، ولكنها في كل سياق ترد فيه، تبقى حاملة آثارا من ألوان«السياقات» الأخرى التي وردت فيها من قبل. ويترتب على ذلك كله أننا حينما نكتب إنما نضاعف –على الحقيقة- من ألوان «الاختلاف» بين الدوال والمدلولات، ومن ثم نضيف إلى ألوان الغموض في النص الأدبي، ونحول بينه وبين الوضوح الذي هو هدفنا من الكتابة.

         يترتب على الفلسفة «التفكيكية» عند «ديريدا» أن المعنى الأدبي لا يمكن أن يكون واحداً أو محدداً أو محدوداً أو واضحاً؛ وذلك لخضوعه دائما لنوع من«التخالف» لا «التوافق» و«التفكيك» لا «التجميع». لكن المصطلح عنده لا يعني «الهدم» وإنما يعني إعادة البناء أو التحليل الأدبي بالطريقة المشروحة في الفقرة السابقة. وإذا كان ثمة ما يهدم في عملية التحليل هذه فهو ليس النص الأدبي، وإنما هو تحكم«بديل» معنوي في النص في «بديل» معنوي آخر محتمل له. والمصطلح يعني البحث عن العناصر الداخلية للنص الأدبي، التي هي عناصر تتناقض مع بعضها من ناحية وتتناقض مع العناصر الخارجية التي تبدو-ظاهريا- دالة على وحدة النص وتماسكه من ناحية أخرى([42]).

 

 

                                                  (  ز  )

إنه لمن المؤسف حقاً أن نقول في الختام إن معظم المداخل النقدية التي تتزاحم في الساحة الآن تجعل منطلقاتها أفكاراً تقع خارج دائرة النص الأدبي، وتتكئ على أسلاف-أو حلفاء- ينتمون إلى فروع في الدراسات الإنسانية لها مبادئها ولها رؤيتها الخاصة بها، «كعلم النفس» و«علم الاجتماع» و«الاجتماع اللغوي» و«الاقتصاد»  و«السياسة» و«الفلسفة»، وهذا يجعل من النقد- وأخشى أن أقول – ومن الأدب كله-نشاطاً تابعاً، ويجعل صورة مستقبله-لذلك –صورة قاتمة.

    

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الهوامش والمراجع

 

1)  –Buttigieg، j.،Criticism without Boundaries،Indiana،1987

2)  بعد ثورة الشباب في فرنسا- وهي ثورة ثقافية تقدمية-سنة1968، بدأت مصطلحات«الأدب النسائي» و« النقد النسائي» تنتشر بسرعة في الحركة النقدية الحديثة، وهي ما تكتبه مبدعة أو ناقدة، ومن هذه الأسئلة على وجه التحديد: هل صورة المرأة صورة ملائمة في الأدب الذي يكتبه الرجال؟ وهل ثمة صلة بين القهر الاجتماعي الذي تعانيه المرأة ونوعها(أي كونها امرأة)ولماذا يندر وجود كاتبات في تاريخ الأدب؟ وإذا كان ما قاله «رونالد بارت»في تعريف الأدب، من أنه ما يتجه إلى الخشونة، صحيحا فهل يعني هذا أن «الأدب النسائي»-ومعظمه لا يتجه إلى الخشونة-ليس أدباً؟ وهل لأدب  المرأة ميزة خاصة فيما يتصل بتقاليد الكتابة ؟ ومنذ السبعينات صدرت صحف «للأدب النسائي» وكونت دور نشر«نسائية» في كل من «أمريكا وإنجليترا وفرنسا وألمانيا والبرتغالية وهولندا والدنمارك، وحتى في تايوان ومعظم الكتابات «النسائية» تحمل طابعا يساريا تقدمياً، وهي تميل إلى توحيد هويتها مع الحركات الجديدة في المجال النقدي، «كالبنيوية» «وما بعد البنيوية» و«الحداثة» و«ما بعد الحداثة»و«الماركسية الجديدة».

          وأود أن أذكر أنني في منتصف الستينات تقدمت برسالتي للدكتوراه إلى جامعة لندن عن أدب المرأة في مصر الحديثة، واقتضى عملي التحدث إلى مجموعة كبيرة جدا من الكاتبات والناقدات-معظمهن لا يزلن على قيد الحياة-ولم يكن الاتجاه«النسائي»في الأدب والنقد قد شاع في العالم شيوعه هذه الأيام. واذكر أنهن جميعا-وبدون استثناء- تمسكن بأنه لا يوجد شيء اسمه«أدب نسائي»وشي اسمه«أدب رجالي»،وإنما يوجد «أدب» ويوجد«نقد» وأعتقد أنهن كن يحتمين في ذلك بحائط الأدب العام والنقد العام الذي كان -ولا يزال- «رجالياً» في عالمنا العربي.

ولست أدري ما الذي يمكن أن تقوله الكاتبات الناقدات لدينا الآن، بعد أن ظهر للعالم كله أن هناك «أدباً نسائيا»و«نقدا نسائيا»؟ وهل يمكن أن تكون الحجج التي تصنه مكتبة بأسرها في التدليل على هذا جميعها حججا واهية؟.

انظر على سبيل المثال:

-Showalter، E.،A Literautre of their Own، Princeton.1977.

-Harris، V.W.. Conecpts in Literary Criticism and Theory. London،1992.

-Collier، P.(ed)Literary thory Today. Uk.1990 pp.1992.

-buttigieg(المشار إليه سلفا )pp.129ff.

3)  انظر على سبيل المثال:

-Siebes.T. The Ethics of Criticism> Cormell u.p.1988.

-White، J.T.،Literary Futurism.oxford.1990.

-Potter، R.G.(ed).Literary Computing and Literary Criticism.U of Pennsylvania press.1989.

4)  -Bate،W.j.Prefaces to Criticism. U.S.A.7 ff

5)  –Wilde، O>، Itentions London،1919.P.39.

6)  ليس بدعا في تاريخ التطور الأدبي أن تنقلب الأمور فيصبح الهامش لباً واللب هامشاً بل إنه ليبدو لي أحيانا أن فكرتي«الحداثة»و«التقدم»تتلخص في تقليب المادة على هذا النحو. وعلى سبيل المثال فإن التغير الكبير الذي حدث في معنى تصوير الواقع=وهو أساس الثورة في التعبير الأدبي كله- يعود إلى هذا؛ فقد رأى المحدثون («جويس» و«توماس مان» و«البيركامو») أن واقعية زولا لا يمكن أن تعكس الحقيقة كاملة؛ لأنها تقوم على تكديس التفصيلات الخارجية والأولى-كما فعلوا هم- التركيز على اللحظة الداخلية الآنية الصامتة في داخل الإنسان، وهكذاتحولوا من «الدرامي» إلى «الشاعري» في التعبير الأدبي، أي من «تسلسل الحدث»إلى «التصوير»، وذلك بإلقاء الضوء الأبهر على المتضادات والمفارقات بين الإحساس الداخلي والموضوعات الخارجية وعلى اللمحات العشوائية الكائنة في وعي الإنسان.وهكذا أصبح المحوري في «الواقعية التقليدية» هامشياً في «المدرسة الحديثة»، والهامشي لديها محورياً لدى«المدرسة الحديثة»، وكان هذا هو لب التجديد انظر(على سبيل المثال) مقدمة كتاب:

-Kostelanetz،R.،On Contemporary Literature،U.S.A.،1971.

7)  -Murray،G.،The Classical Tradition in Poetry U.S.A.،1957،P.216.

8)  –السابق p.48،

وانظر لموضوع «المحاكاة الجديدة» كله:

 (المشار إليه) -Harris

وكذلك:

-Sparioson،M.(ed)،Mimesis in Contemporary Theory،Amsterdam.1984.

ولم يقتصر الأمر على العودة-في النقد الحديث-إلى نظرية  المحاكاة العامة، بل تجاوزه إلى البحث في جزئياتها، فلقي مصطلح«التطهير» مثلا عناية واضحة من قبل الدارسين. ومن المعروف أن أرسطو جعل التطهير هو وظيفة الفن ونتيجته. وقد جرت مناقشات مستفيضة عن هذا المصطلح في النقد الحديث، فشرح في معناه «الأرسطي»، وأضيف إليه من التحويرات والتعديلات ما جعله ملائما لكثير من المداخل النقدية العاملة في الساحة الآن، من «النقد النفسي»، وبخاصة عند تريلنج، وكريس، وبيرك،إلى «النقد البنيوي» إلى نقد«السياق الثقافي» إلى النقد الذي يهتم بردود فعل القارئ على العمل الأدبي.

انظر:

-Abdullah،A.،Catharsis in Literature،U.S.A.،1985.

وبخاصة في الفصول:الثالث والرابع والخامس. وانظر كذلك مقالة:

The Riddle of Cathasis.

ضمن كتاب: -Eassays in Honour of N.Frye،edt.by E. cook،U.S.A.،PP.14 ff.

9)  ترجمت أعمال«فرويد» إلى كل اللغات الحية في العالم، وترجم قسم كبير جداً منها إلى اللغة العربية . والنقطة المهمة-فيما يعنينا- هي نقطة الاتصال بين علم النفس والأدب أو نقطة العبور من علم النفس الخالص إلى النقد الأدبي. ولا يكاد يخلو عمل في تاريخ النقد الأدبي أو مناهجه أو نظرية الأدب من الحديث عن «المنهج السيكولوجي» أو «التحليل النفسي للأدب» أو «المنهج الفرويدي».

انظر:

- Hartman.G.،(ed)،Psychoanalysis and The Question of The Text. U.S.A.،1978.

وكذلك:

- Watson،J.،The Study of Literature، London،1969.

(الفصل التاسع)

وكذلك:- Harris(المشار إليه)PP.304ff.

10)      السابق، -(المشار إليه)Hartiman  PP.305ff.

11)      من الأعمال النقدية التي طبقت نظرية «يونج» على الأدب في اللغة الإنجليزية كتاب«بودكين»:«الأنماط العليا في الشعر»، وكتاب بيتنا:«المنهج اليونجي في دراسة الأدب»:

- Bodkin،Archetypal Patterns in Poetry، Oxford،1934

- Bettina.، A. Jungian Approach to Literature،U.S.A.،1984.

12)      (الفصل التاسع)-(المشار إليه)-Watson

وكذلك: Coyle.M.(ed)Encyclopeda of Literature and Criticism، :ondon،1990 PP.14 ff.

13)      (الفصل التاسع)- (المشار إليه)-Watson

14)      انظر في ذلك:-Strelka،J،(ed)،Literary Criticism and Psychology،U.S.A.1976

وكذلك :( المشار إليه)Hartiman              .

هذا ، وقد لقي المنهج«السيكولوجي» رواجا عظيما في النقد الأدبي الحديث في العالم العربي، وتوالت الدراسات النظرية والتطبيقية التي تجعل موضوعها تحليل شخصية الأديب أو نقد النص الأدبي على نهج«سيكولوجي». ولا يزال هذا النهج يحظى باهتمام ملحوظ داخل أروقة الجامعات وخارجها. ومن الطبيعي أنه ليس كل ما يكتب تحت راية النقد النفسي«السيكولوجي» له قيمة تستحق الاهتمام، ومن الصعب الحديث عن اتجاه «سيكولوجي» متكامل في النقد العربي الحديث.

  من الدراسات المبكرة في هذا المجال كتاب محمد خلف الله أحمد « من الوجهة النفسية»، وله طابع نظري، وتكمن قيمته إلى حد كبير في إشاراته التراثية، ومحاولة تفسير بعض آراء عبد القاهر على أساس من علم النفس. كذلك يحمل كتاب حامد عبد القادر:«علم النفس الأدبي» طابعاً نظرياً، وله طابع وسط بين الترجمة والتأليف. ومن الكتب التي تتناول الشعر على أساس نفسي(أو بيوجرافي) كتاب العقاد:«ابن الرومي-حياته من شعره» وكذلك كتابه:«أبو نواس-الحسن بن هانئ» وسترد إشارة أخرى إلى الكتاب الأول، أما كتابه الثاني فقد فسر فيه شخصية أبي نواس(ومن ثم شعره) على أساس من «نظرية النرجسية»،وهي نظرية إغريقية قديمة عن «نارسيس» عاشق ذاته. وقد كتب محمد النويهي كتابا عن«شخصية بشار»، وآخر عن«نفسية أبي نواس» حاول فيهما شرح شعر الشاعرين على أساس من صفات نفسية حددها، وتناول عز الدين إسماعيل كثيراً من نصوص الشعر الجديد، مستخدما المنهج النفسي، وذلك في كتابه:«الشعر العربي المعاصر، قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية»، وله كذلك«التفسير النفسي للأدب».

                ومن ناحية أخرى طبق مصطفى سويف  أسس علم النفس في شرح العمليات التي تسبق عملية الإبداع الشعري، وتصاحبها في كتابه:«الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة» ويسبقه مصطفى حنورة بكتاب عن الرواية :«الأسس النفسية للإبداع الفني في الرواية» أما المنهج الأسطوري اليونجي فلم يظفر باهتمام مشابه، وإن فسرت بعض نصوص الشعر الجاهلي-في محاولات متفرقة-على أساس أسطوري.

15)      من أبرز القائلين بأن الأدب يتحول باطراد من «غير الواقعي» إلى «الواقعي» نور ثروب فراي في كتابه»-Frye.N.The Anatomy of Criticism، U.S.A.1957.

وانظر في ذلك:

16)      – Cunliffe،M.،History of Literature in English Language،London،1973،PP. 357 ff.

17)        -Watson                ،P.29(المشار إليه)

18)      –Wellek،R.،Comcepts of Criticism،Y.U.P.1963. P.242.

- Harris PP.323 ff.                           المشار إليه                               

 ومشكلة  لغة العمل الأدبي مثارة منذ وقت بعيد في النقد العربي الحديث، فقد استخدم بعض الكتاب اللهجات المحلية واللغة الدارجة باسم «الواقعية» ذاهبين إلى أن تحقيق هذه «الواقعية»يحتم أن يكون الحوار بين الشخصيات في الرواية والقصة القصيرة والمسرحية النثرية باللغة التي تستخدمها مثيلات هذه الشخصيات في حياتها العادية. أما الجانب الوصفي فقد احتفظ فيه الأديب باللغة الفصيحة في جميع الأحوال؛ وذلك لدعم الإحساس«الواقعي» في العمل الأدبي، بناء على أنه من المفهوم أن الذي يصف، ويسير دفة العمل هو الديب (المثقف)ذاته نجد هذا عند عبد الرحمن الشرقاوي في رواية«الأرض» مثلاً، وفي معظم القصص القصيرة التي كتبها يوسف إدريس، والمسرحيات التي كتبها نعمان عاشور. ودرج النقاد الواقعيون على فهم«واقعية» اللغة على هذا الأساس ذاهبين إلى أن«مطابقة الواقع» أو «الإيهام بالواقع» لا يمكن أن يتحقق مثلاً إذا نطقت خادمة من الريف(أو من المدينة) باللغة الفصحى). والسؤال الذي ينبغي استحضاره في هذا الصدد هو:كيف استطاع نجيب محفوظ المحافظة على لغة(فصيحة) واحدة في كل من الوصف والحوار، في أعماله الواقعية كلها دون أن يخل بهذه «الواقعية»؟ وقد قيل كلام كثير في الموضوع، ومنه مثلاً أن ما يستخدمه نجيب محفوظ«عامي مترجم إلى الفصيح» والشيء الذي لا يمكن إنكاره أن المشكلة لا بد أن تكون واجهته، وأنه بذل جهداً لحلها، وأن قارئه قبل هذا الحل لأن هذا القارئ يدرك أن ما يقرؤه من أدب على الأوراق إنما هو «أدب»، وليس الواقع الخام الذي يجده في الطريق ويستقبله مباشرة عن طريق الحواس.

         ولا أقول إن ما فعله نجيب محفوظ قد حل المشكلة بشكل نهائي، بل إني لا أقول إنه حلها بشكل مرض، وإنما أقول إنه في تناول هذا الموضوع ينبغي التفرقة بين اللغة في واقعها المادي، أي قبل أن تستخدم في الأدب وبينها في واقعها الأدبي، أي بعد أن استخدمت في الأدب. اللغة في الحالة الأولى مادة«خام» وهي في الحالة الثانية مادة«مصنعة» والمادة «المصنعة» تضعك في جو«االإيهام» بالمادة الخام، ولكنها ليست هي، ذلك لأنه في الوقت الذي تضعك فيه في هذا الجو تبقيك على  وعي  بأنها مختلفة، وأن الذي يجعلك تتركها في صورتها «الخام» وتلجأ إليها في صورتها«المصنعة» هو هذا«الاختلاف»، وبذلك يبقى«النص الواقعي» قريباً من الحياة الواقعية مذكراً بها وكاشفا عنها، ومضاعفاً الإحساس بها، ولكنه مختلف عنها. غير أنه ينبغي التأكيد هنا على أن الاختلاف عن الواقع شيء ومضادته أو التباين معه شيء آخر، فليس من «الواقعية» في شيء أن نضاد الواقع، أو نتباين معه. ولو كانت اللغة التي يستخدمها العمل الواقعي هي ذات اللغة التي يستخدمها الواقع وكانت العبارة التي قد ترد في موقف ما في العمل مطابقة من جميع النواحي للعبارة التي تستخدم في الموقف المقابل لهذا الموقف في واقع الحياةو لما كان العمل أدباً على الإطلاق.

            إن موضوع لغة العمل الأدبي موضوع حيوي، وهو لم يلق العناية التي يستحقها في النقد العربي الحديث لا من جهة الكتاب «الواقعيين»، فقد كتبوا«باللهجة»وأراحوا أنفسهم، ولا من جهة النقاد«الواقعيين» الذين زينوا لهؤلاء الكتاب الاستمرار في طريقهم الساذج بموافقتهم عليه، ومباركتهم له. ولو كان صحيحا أن الأدب الذي تستخدم فيه اللهجة أدب عربي ، والمكتوب باللهجة الخليجية أدب عربي والمكتوب باللهجة المغربية أدب عربي، لكن كيف يكون أدباً عربياً ما لا يستطيع أن يقرأه عربي ما لم يكتب بعدد من اللهجات يساوي عدد هذه الشخصيات؟ بل لنفترض أنه أضيف لهؤلاء ضيف إنجليزي وآخر فرسي وآخر ألماني ولنتصور ماذا يمكن أن يكون عليه الحال! وألا يبلغ الأمر في هذه الحالة حد المهزلة؟.

19)      انظر كتاب:Williams.R.Marxism and Literature.Oxford،1977

في مقدمته ومواضيع أخرى متفرقة منه.

20)      من الملائم هنا أن أعرض رأي«ماوتسى تونج» في موضوع ما ينبغي أن يكون عليه الأدب، وذلك حتى ألقى مزيدا من الضوء على مفهوم الأدب وغايته ومعنى النقد في المذهب «الماركسي» إبان نشأته الأولى. يقول«ماوتسي تونج»»

        «وليس هناك فن من أجل الفن أو فن فوق الطبقات أو فن مواز للسياسة أو مستقل عنها...نطالب بالوحدة بين السياسة والفن أي الوحدة بين المحتوى السياسي الثوري والشكل الفني،؛ وذلك على أقصى درجة ممكنة من الاكتمال، فالأعمال الأدبية والفنية الخالية من الجودة الفنية لا أثر لها؛ وذلك مهما كانت تقدمية من الناحية السياسية، على ذلك فنحن لا نعارض فحسب الأعمال الفنية التي تحتوي على وجهات نظر خاطئة بل نعارض كذلك النزعة التي تدعو إلى أعمال فنية تحمل وجهات نظر سياسة صحيحة ولكن ليس لها أثر فني، وذلك لأنها محض «إعلانات وشعارات».

        أحاديث في ندوة الأدب والفن بيانان-بكين-1968، ص 46.

21)      ثمة دراسات كثيرة-يتتابع ظهورها-تتناول«الشكلانيين الروس»، وتطويرهم للفكر«الماركسي» في النقد الأدبي.انظر واحدة منها في:

-Frow.J.Marxism and Literary.U.k.1986.Pp.1983ff

22)      – Natoli.J.(ed).Tracing Literary History.U.S.A.1987.pp،115-117

23)      انظر:-Hawkes.J.(ed)،Griticism in Society.London،1987.p.9،

وكذلك:- Harris المشار إليهpp.207 ff

وكذلك: - Natoli المشار إليه  pp.123 ff

           وثمة قدر كبير من الكتابات النقدية في عالمنا العربي، يكتبه نقاد علاب (شبان وكهول) في موضوعات«الحداثة» و«ما بعد الحداثة»و«البنيوة» و«ما بعد البنيوية»«ونظرية الأدب»«والألسنية» «والأسلوبية» و«علم العلامات». وهذه كلها فروع تنتمي –كما هو واضح-إلى جذرين، أحدهما «لغوي-اجتماعي»(«سوسير وما تطور عنه)، والآخر «أيديولوجي» («ماركسي» وما تطور عنه)والملاحظ أن الجانب النظري في هذه الكتابات يغلب على الجانب التطبيقي كما أن جانب الاقتباس عن النقد الفرنسي والإنجليزي والأمريكي هو الطابع الغالب، وتستخدم هذه الكتابات مصطلحات ليس لها ما يقابلها من مصطلحات مستقرة في اللغة العربية، مما يوقعها في غموض يكاد يكون-في كثير من الأحيان-كاملاً. وحين تطبق هذه  الأفكار على نصوص الأدب العربي تتراوح النتيجة بين«الإبهار» و«البهرج الخادع»، و«المهزلة الكاملة« .والذي يبدو لي ملائما لنا في هذا الصدد أننا في حاجة إلى عرض الجديد من هذه  التطورات المعاصرة في مجال النقد الأدبي على محورين، محور الترجمة (الأمينة، الرشيدة، الكاملة، الصحيحة) لأمهات الأعمال المتصلة بالموضوع، وليس الأمر فيما يتصل بالصفات التي ذكرتها للترجمة محتاجا إلى كلام طويل ومحور التحليل الهادئ لهذه الأعمال، وغربلتها ووصلها بما من شأنه أن يحقق نتائج عملية مفيدة في حاضرنا الأدبي والنقدي.

24)      (في المقدمة –المشار إليه)             -Kostelanetz

25)      قام رتشاردز في كتابهPractical Criticism  بتجربة طريفة، وزع فيها قصائد(نزع منها اسم مؤلفها) على تلاميذه، وطلب إليهم النظر فيها على فترات متباعدة، ومحاولة استخراج معانيها الجزئية، ومعناها الكلي، والمغزى الذي ترمي إليه(وكان من بين هؤلاء التلاميذ«إمبسون» صاحب الكتاب المعروف«سبعة ألوان من الغموض») وقد جمع « رتشاردز » خلاصة تجربته هذه ، شروح تلاميذه بما فيها من أخطاء وتصورات واجتهادات وتعليقاته هو الخاصة عليها ونشرها في كتابه المشار إليه، وقد اكتسب الكتاب قيمة كبيرة في النقد الأدبي الحديث والمعاصر، ولا تزال طبعاته تتوالى عاما بعد عام.

26)      – Eliot. T.S. Selected Prose. London.1963.P.29.

27)      – Eliot. T.S. The Sacred Wood. London.1964.Pp.155 ff.

28)      – Eliot. T.S. On Poetry and Poets. London.1956.P.112.

29)      – Eliot. T.S. Selected Prose.المشار إليهLondon.1963.P.29.-

ويعرف «إليوت» المعادل الموضوعي في العبارات التالية:

                 «إن الطريقة الوحيدة للتعبير عن العاطفة في قالب فني إنما تكون بإيجاد«معادل موضوعي» لهذه العاطفة، أي مجموعة من الموضوعات أو المواقف أو الأحداث التي تشكل وعاء لهذه العاطفة الخاصة بحيث تتفجر هذه العاطفة في الحال عندما تعرض تلك الموضوعات أو المواقف أو الأحداث مقدمة في شكل تجربة حسية»

30)      –Eliot.T.S..The Use of Poetry and Use of Criticism، London، 1964.p.155.

وانظر في عرض ونقد أعمال «ت.س.إليوت» ما يلي:

- Bergonzi، B.T.S. Eliot، U.S.A.، 1972.

- Spender،S..Eliot،U.K.1975.

-Dale،A.S.T.S.Eliot.U.S.A.1988.

-Siebers.T.المشار إليه

- Bush.R.، T.S.Eliot، U.S.A.1991

31)      -Collier P.125((المشار إليه

32)      Wellek،R.and Warren، A..Theory of Literatyre،London،1963.pp.78fff.

                                  هكذا قضى على «المنهج البيوجرافي» ولم يعد له مكان في الدراسات النقدية المعتمدة بل إن التعلق به أصبح مثيراً لسخرية الدراسين، وهو يوصف بأنه نوع من «التبسيط المخل» في فهم العمل الأدبي، هذا إذا لم يكن«نوعاً من التزييف المقصود».

انظر:Weimann.R.Structure and Society in Literary History. London.1984.P.39.

وقد ترتب على ذلك أن مصطلحات نقدية جديدة بدأت تحتل الساحة مثل مصطلحات «الراوي» و«المتكلم» و«الشخصية» وذلك تفاديا لاستخدام مصطلحات أخرى، مثل مصطلح «المؤلف» وتفاديا بالتالي لعقد أية صلة بين النص وصاحبه(انظر:48،47 المشار إليه Siebers ولا بد من الإشارة إلى أن عقد رابطة وثيقة (بيوجرافية)بين النص وصاحبه كان ولا يزال منهجاً أثيراً في النقد العربي الحديث، فقد أنكر«طه حسين» الوجود التأريخي لمعظم الشعراء العذريين؛ لأنه لم يستشعر وجود شخصيات خاصة وراء الأشعار، انظر مقالاته عن:«الغزلون وأخبارهم» في «حديث الأربعاء»و«وسم«العقاد» شعر«شوقي» في «الديوان» بأنه«شعر القشور والطلاء»؛لأنه لم يلمح شخصية خاصة. وهذا النوع من النظر عليه طابع الأثر «الرومانتيكي» كما لا يخفى . وقد خطا«العقاد» بالذات خطوة أخرى في هذا المجال،فطبق «المنهج البيوجرافي» على شعر ابن الرومي في كتابه: ابن الرومي- حياته من شعره المشار إليه ، وشرح أحداث حياته وعاداته ومناقبه ومثالبه وأحواله النفسية جميعا، كل ذلك من خلال شعره. وقد ذكر العقاد أن الأخبار التاريخية الواردة عن حياة ابن الرومي قليلة ولكن يمكن تعويض ذلك بإعادة تشكيل صورة له من شعره، واثقين من أنها ستكون صورة مطابقة لصورته التاريخية، وذلك بناء على أن شعره شعر«صادق».

     لقد أدى عمل«طه حسين» و«العقاد» هذا دوره التاريخي في تنمية الوعي بقيمة النقد الأدبي في وقت كان الشائع فيه منهج التاريخ الأدبي القائم على ربط الفترات الأدبية بالفترات التاريخية السياسية على نحو يقلل فرصة تحليل النصوص على أسس نقدية صلبة، مع توالي الأبحاث «الأكاديمية» زاد التعلق «بالمنهح البيوجرافي» مع تفريغه في معظم الأحيان من كثير جداً من فوائده(التي يعترض بها نقاده عليه) واختزل استخدامه في عبارة أصبحت مجالاً للتندر هي عبارة«فلان-حياته وشعره» وتحتها تحشد معلومات، وتملأ صناديق معدة سلفاً، وتلوى أعناق النصوص لتلائم –قسرا- المعلومات التاريخية، وتفسر الأحداث التاريخية بطريقة متعسفة لتلائم النصوص، ولم يقتصر الأمر في ذلك على الشعر، بل تجاوزه إلى فنون الأدب النثرية، فبحث عن آراء الروائيين والمسرحيين وكتاب القصة القصيرة’ السياسية والمذهبية في أعمالهم كما بحث عن معالم شخصية الأديب فيما يكتبه من أدب ، واعتبر وضوح شخصية الأديب في أدبه علامة على أقصى قدر يمكن أن يحققه الأديب من «صدق»والناقد من «إنجاز».

33)      انظر في موضوع«جذور حركة النقد الجديد»:

-Abdullah،A.،Catharsis inLiterature.U.S.A.،1985،Pp.68 ff.

34)      –Walder.D.،(ed)،Literature in The Modern World.Oxford.1990.P.132

35)      مبلغ علمي أن الكتابين الأخيرين مترجمان إلى اللغة العربية.

36)      عيب على «النقاد الجدد»إصرارهم على هذين العنصرين بالذات، شرطا لجودة النص الأدبي، ووجه إليهم سؤال حيوي هو:كيف أذن نفسر أعمالاً لا شك في جودتها، مع خلوها من هذين العنصرين؟

37)      انظر: - Harris PP266ff.  المشار إليه                               

38)      انظر المرجع السابق، الصفحات السابقة.

39)      –Lentricchia.F.،After The New Criticism. U.S.A.،1980.pp.3-26

40)      –Buttigieg pp.202.218 المشار إليه

وكذلك: -Lentricchia PP.103 154 المشار إليه

41)      ليست كلمة «تفكيكية»-كما يتضح من معناها عند ديريدا-أنسب كلمة يترجم بها مصطلح:Deconstruction، ولكن نظراً لتوالي استخدام الكلمة في النقد العربي، أحافظ هنا على استخدامها، وذلك حتى لا أضيف مزيدا من البلبلة إلى مجال تضطرب فيه ترجمة المصطلحات غاية الاضطراب.

42)      –Fiacher.M.Does Deconstruction Make Any Difference? U.S.A 1985.P34

 

([1])     نشرت في مجلة "علم الفكر"أكتوبر/ديسمبر1994.

([2])    

([3])    

([4])    

([5])    

([6])    

([7])    

([8])     

([9])    

([10])    

([11])    

([12])    

([13])    

([14])    

([15])    

([16])    

([17])    

([18])    

([19])    

([20])     

([21])    

([22])    

([23])    

([24])    

([25])    

([26])    

([27])    

([28])    

([29])    

([30])    

([31])    

([32])    

([33])    

([34])    

([35])    

([36])    

([37])    

([38])    

([39])    

([40])    

([41])    

([42])     

 

عدد مرات القراءة: 1388

أضف تعليق